الطقوس الإجرائية لتنمية هدف البوديتشيتا

أمنية البوديتشيتا، منهجية تنميتها مع نصائح بهذا الشأن

عندما نتحدث عن تنمية البوديتشيتا، فهناك بالطبع منهجية بعينها نحتاج أن نتبعها والتي ستتطلب منَّا قدرًا كبيرًا من العمل والجهد من أجل أن ننمي تلك الحالة الذهنية بإخلاص. هناك مراحل للتأمل من أجل تنمية إلهام تحقيق الاستنارة المستقبلية من أجل نفع جميع الكائنات وقد تم تحديد هذه المراحل سابقًا على يد العديد من المعلمين الهنود السابقين على أتيشا، مثل كامالاشيلا. وفي نص اللام ريم لأتيشا الذي ندرسه هنا الآن، تم عرض مراحل التأمل تلك بتفصيل كامل، لأننا نحتاج أن ننمي هذا الاهتمام المخلص بالآخرين وبالجميع على أساس من الشعور بالتوازن أو التساوي تجاههم. هذا يتطلب الكثير من العمل المخلص لتنميته.

كما قلت، ما سيكون مهمًا للغاية في سياق البوديتشيتا هو الثقة بأنه من الممكن حقًا تحقيق الاستنارة، وإنها، أي البوديتشيتا، ليست مجرد أمنية لطيفة. وهذا بالطبع أساسه الرؤية الواقعية للشفقة. من اللطيف للغاية أن نتمنى للجميع أن يتحرروا من المعاناة ومن أسبابها، لكن إذا لم نصدق حقًا أن هذا ممكنًا لهم، فعندها، مرة أخرى، ما الفائدة من كل ذلك؟ عندما نحمل على عاتقنا مسئولية أن نكون قادرين على تقديم المساعدة الفعلية، إذا لم تكن لدينا الثقة بأنه، "يمكنني بالفعل القيام بشيء"، فعندها، مرة أخرى، نحن نتعهد بالقيام بشيء لن نستطيع أبدًا الوفاء به، وهذا أيضًا شيئًا يجب أن نفكر فيه بجدية.

لكن عندما نعمل بالفعل على أنفسنا ونتدبر ونتأمل حقًا ونبدأ في الشعور بإخلاص بالبوديتشيتا لدرجة، "هذا هو هدفي. هذه هي غايتي. لقد أستقر بقلبي، تركيزي بالكامل منصب على تحقيقي للاستنارة"، "سأحقق هذا" -حينها سيكون من المفيد للغاية أن يكون لدينا طريق أو آلية بعينها نتبعها للقيام بهذا بشكل رسمي. لأننا حينها سنأخذ تلك الحالة الذهنية وهذا التوجه في الحياة بشكل أكثر جدية.

هذا هو السر خلف أي نوع من الإجراءات الطقسية في البوذية. ليصبح هذا الحدث علامة مميزة لنقطة فارقة في حياتنا عبر القيام بهذا الإجراء الطقسي. قد تعيش مع شخص ما، ليس عليكم القيام بإجراءات الزواج، لكن تلك الإجراءات الطقسية تجعل الأمر رسميًا، تجعل من هذه اللحظة حدثًا يمكن للشخص الرجوع إليه وتذكُره، "نعم، حينها قمنا بشكل رسمي بتبادل عهودنا". لهذا السبب يتحدث أتيشا هنا عن الإجراء الطقسي لتنمية دافع البوديتشيتا.

للبوديتشيتا مرحلتين: الأولى يطلق عليها البوديتشيتا النسبية، والثانية يُطلق عليها البوديتشيتا الأعمق أو المُطلقة. البوديتشيتا النسبية هي ما كنا نتحدث عنه، استهداف الاستنارة مع أمنية مساعدة جميع الكائنات وتحقيق تلك الاستنارة من أجل التمكُّن من تقديم المساعدة الكاملة لتلك الكائنات. لهذا فهي ذهن يهدف لمظهر جميع الكائنات، مظهر كل شيء وكيفية نفع الآخرين في سياق ما يظهر. أنه ذهن يتعامل مع الحقيقة النسبية لكل شيء، المظاهر.

وتتعامل البوديتشيتا الأعمق مع الحقيقة الأعمق للجميع ولكل شيء، أي خلوهم. يشير الخلو لغياب الطرق المستحيلة للوجود -سنتحدث عن هذا لاحقًا. عندما نتحدث عن البوديتشيتا الأعمق، نحن نتحدث عن الوصول لفهم الخلو. البوديتشيتا الأعمق هي ذهن يُركز على خلو الجميع.

في سياق البوديتشيتا النسبية هناك حالة من الإلهام، حالة من التمني، وهناك الانخراط أو حالة الاشتباك. حالة الإلهام هي أمنية تحقيق الاستنارة لمساعدة الآخرين ولها مرحلتين: مجرد إلهام، مجرد أمنية تحقيق الاستنارة لنفع الجميع، ثم هناك حالة التعهد المُلهم، والتي أتعهد بها أني لن أستسلم أبدًا حتى أحقق بالفعل تلك الاستنارة. ثم حالة انخراط البوديتشيتا النسبية وهي عندما نأخذ عهود البوديساتفا، "سأنخرط في سلوك البوديساتفا سيصل بي للاستنارة وسأقوم بذلك بشكل جاد للغاية، وهذا يعني أني سآخذ عهود البوديساتفا، والتي ستشكل سلوكي، سلوك البوديساتفا".

سيتحدث أتيشا الآن عن الطقس الإجرائي الخاص بتأكيد حالة إلهام البوديتشيتا، وبشكل أكثر تحديدًا حالة التعهد المُلهم، "أنا لن أستسلم أبدًا".

(7) أمام رسومات، تماثيل، إلخ الخاصة بالكائنات المستنيرة، وأيضًا أمام الستوبات و(نصوص الدارما) النقية، وهِب الزهور، البخور، وأي أشياء مادية قد تكون لديك.

هذه بالأساس هي طريقة البدء بأي طقس إجرائي وفي الحقيقة هي أيضًا طريقة البدء بأي جلسة تأمل. أولًا نرتب "رفًا" أو "طاولة" نضع عليها هباتنا؛ عادة ما يُطلق عليها "طاولة الهبات". ثم نضع على هذا الرف أو الطاولة تمثيلات جسد، حديث، وذهن بوذا.

تُشير "الرسومات والتماثيل" هنا إلى تمثيلات جسد بوذا، والتي تشير إلى الخصائص الجسدية لبوذا، الخصائص الجسدية المستنيرة، كل تلك الخصائص التي بجسد المستنير والتي تساعده على تحقيق النفع للآخرين ومساعدتهم على تحقيق الاستنارة، لذا أطلق عليهم "المُنيرة". "الستوبا" هي نَصْبٌ صغير يحتفظ فيه عادة ببعض بقايا الكائنات المستنيرة أو المعلمين العظام وعادة ما تستخدم في سياق حديثنا هذا كتمثيل للأنشطة الذهنية لبوذا، لذا عادة ما يكون على طاولة الهبات تمثال صغير للستوبا. بالنسبة لنصوص الدارما يُكتفى فقط بالإشارة إليها بكلمة "النقية"، عادة ما نضع بعض نصوص الدارما على طاولة الوهب؛ في الأغلب نص سوترا القلب، أو إحدى السوترات القصار الأخريات أو سوترات البراجنابراميتا، والتي تُمثل الخصائص المستنيرة لحديث بوذا.

نحن نستهدف بالبوديتشيتا أن نحقق كل هذا. أو عندما نتحدث في سياق التوجه الآمن، فهذه هي الوجهة التي نرغب في الوصول إليها، نحن نرغب في تحقيق خصائص جسد، حديث وذهن بوذا. عندما نتحدث عن الدارما، مصدر هذا التوجه الآمن، فهي الحالة التي يُزال بها بالكامل كل نقائصنا، مشاكلنا، معاناتنا مع أسبابها. الحالة الذهنية، وليس فقط حالة الذهن، ولكن المظاهر التي يخلقها ذلك الذهن والتي سيتم إزالتها وما سينتج عن عملية الإزالة تلك -ما سيوجد عند تحقيق تلك الإزالة.

يمثل جسد، حديث وذهن بوذا الهدف، كما تمثل الدارما ذلك الهدف. مع الملجأ أو التوجه الآمن، الوجهة التي نرغب في الذهاب إليها، ومع البوديتشيتا، يُمثل كل هذا قدراتنا المستنيرة المستقبلية التي نأمل في تحقيقها. وتمثل أيضًا القدرات المستنيرة لكل بوذات الماضي الذين وصلوا إلى هذه التحققات والذين علمونا الطريق لتحقيق ذلك بأنفسنا.

ثم بعد ذلك نقوم بترتيب الهبات أمام تلك التمثيلات، ولهذا السبب قال أتيشا، "هِب الزهور، البخور، وأي أشياء مادية أخرى قد تكون لديك". في العادة نضع سبعة كؤوس بها ماء نقي والتي تمثل الهبات السبعة التي ذُكرت بالنص. ويُعلِّم أتيشا هنا التبتيين إنه حتى إذا لم يكن لديكم ما تهبونه، على الأقل استخدم كوب الشاي أو وعاء ما وهِب بعض الماء، هِب شيئًا ما. والماء في التبت نظيف ونقي، لذا فهو هبة جيدًا للغاية.

من الواضح أن البوذات ليسوا بحاجة لتلك الهبات. ما الذي سيفعله بوذا بعود من البخور أو شمعة أو قطعة فاكهة؟ هم ليسوا بحاجة لكل ذلك. لكن الفكرة هنا أننا نقدم هذه الهبات لأجل استنارتنا المستقبلية؛ ولأجل هذه الاستنارة المستقبلية نحن مستعدون لتقديم كل شيء، وتلك الهبات المادية التي نقدمها ترمز لاستعدادنا للقيام بهذا. نحن راغبون في وهب كل دراستنا، كل بصيرتنا، كل وقتنا، كل جهدنا من أجل أن نصل لتلك الاستنارة المستقبلية، لنستطيع أن نُقدم المساعدة الحقيقية للآخرين نحن نهب كل شيء لدينا لأجلهم.

والقيام بهذا يُولِّد لدينا قوة إيجابية عظيمة، قوة إيجابية ضخمة ستساعدنا على تحقيق تلك الأهداف وستولد لدينا أيضًا القوة الإيجابية التي ستمكننا من مساعدة الآخرين. في التانترا، عندما نقوم بتقديم الهبات، نقوم دائمًا بتقديم الهبات للبوذات ولجميع الكائنات الواعية. إنه من خلال تلك الهبات التي نقدمها لبوذات وعبرهم تنتقل هباتنا لجميع الكائنات. بعبارة أخرى، عبر وهب كل شيء لدينا لنحقق استنارتنا، سيمكننا هنا من أن نهب كل شيء بأكمل طريقة للجميع.

ثم نجلس، وكما يقول أتيشا:


(8) أيضًا مع الهبات السبع المذكورة في (ترديدة) السلوك المثالي، وبذهن لن يتراجع أبدًا حتى (يحقق) هدفه النهائي، جوهر بوذا،

(9) وبأعلى مراتب التصديق في الجواهر الثلاث السامية، جاثيًا بركبة واحدة على الأرض وكفَّي اليد مضمومين أمام القلب، نقوم أولًا باتخاذ التوجه الآمن.

ورد تدريب السبعة أفرع بنص ترديدة السلوك المتميز. تحدث أيضًا شانتيديفا في كتابه، الانخراط في سلوك البوديساتفا) مطولًا عنه. الفروع السبعة هم:

أولًا: الانحناء احترامًا. نضع استنارتنا المستقبلية محلًا لتركينا، ويرمز لها البوذات، وعبر الانحناء للأرض احترامًا نلقي بأنفسنا بالكامل تجاه هذه الوجهة بالحياة، ويرمز لهذا بتوجيه أنفسنا نحو الأرض، القيام بانحنائه كاملة للأرض، نلقي بالكامل بأنفسنا وبكامل طاقتنا في هذا الاتجاه. مُظهرين الاحترام لهؤلاء من حققوا هذا الهدف الذي نرغب في تحقيقه، أي الاستنارة، البوذات والمعلمين العظام، ونُظهر الاحترام لقدرتنا على تحقيق ذات الهدف، أي طبيعة بوذا -تلك العناصر التي لدينا جميعًا والتي تمكننا من أن نصبح بوذات- ونظهر الاحترام لتحقيقنا المستقبلي للاستنارة، استنارتنا المستقبلية.

ثم الفرع الثاني هو تقديم الهبات. لذا، مرة أخرى، نتخيل أننا نهب كل شيء. بينما نتخيل أننا نهب كل شيء -طاقتنا، جهودنا، وقتنا، قلوبنا، أذهاننا- كل شيء لأجل تحقيق الاستنارة ونفع الآخرين نقوم بوهب بعض الأشياءً المادية التي ترمز لهذا.

الفرع الثالث هو الاعتراف الأمين بما لدينا من صعوبات ومشاكل في تقديم المساعدة للآخرين وتحقيق تلك الأهداف -كسلنا، ارتباكنا وخلافه- ثم نطبق على انفسنا القوى المضادة الأربعة: "نندم بإخلاص على قيامنا بأي من الأفعال الهدامة؛ نتمنى من كل قلوبنا لو أننا لم نكن على تلك الحال. نُولِّد العزم على ألا نكرر مثل تلك السلوكيات أبدًا. أننا سنُخلص أنفسنا من تلك العادات السلبية. ونؤكد على الأسس التي نعيش وفقًا لها، التوجه الذي اتخذناه بحياتنا، التوجه الآمن، البوديتشيتا. ونقوم باستخدام كل الأشياء الإيجابية التي نقوم بها، الدراسة، التأمل، الطقوس الإجرائية لتوليد البوديتشيتا، أي شيء إيجابي، كمضادات للتعلق على أي نقائص لدينا".

الفرع الرابع هو الابتهاج، "أبتهج لحقيقة أن طبيعة الذهن نقية"، وأيضًا، "لدي طبيعة بوذا، لدي القدرة على التخلص من كل هذه المشاكل، هذا شيء ممكن" و"أبتهج للبوذات وللمعلمين العظام الذين علَّموا طريقة القيام بهذا، الذين قدموا تعاليم البوديتشيتا، وأبتهج لأنهم قدموا بالفعل كل هذه التعاليم".

الفرع الخامس هو طلب التعاليم، "رجاءً أيها البوذات، أيها المعلمين العظام، علموني. أنا لن أجلس هنا فقط للقيام بطقس ما، ولكن علموني الطريق، أرشدوني. أنا حقًا حقًا أرغب في أن أتعلم. أنا عازم بكل تأكيد على اِتباع المسار، لذا رجاء علموني؛ ذهني متفتح".

الفرع السادس، "لا ترحلوا"، "أيها البوذات، أيها المعلمين العظام، رجاء، لا ترحلوا، لا تتركوني. أنا مخلص تمامًا. أنا لست مجرد زائر جاء ليلقي نظرة خاطفة ويرحل، لكني راغب في تحقيق الاستنارة. لذا استمروا في تعليمي طيلة الطريق. لا ترحلوا".

ثم الفرع السابع وهو التكريس، كما فعلنا بالأمس، "أيًا كانت القوى الإيجابية التي نتجت عن هذا، ليتها تصبح سببًا في تحقيقي الاستنارة لأكون قادرًا حقًا على مساعدة الجميع".

إذًا، أول شيء هو ترتيب طاولة الهبات، تقديم الهبات، ثم القيام بتدريب السبعة أفرع -ترديدة السبعة أفرع أو السبعة هبات- ثم يأتي بعد ذلك، كما يقول أتيشا، "وبذهن لن يتراجع أبدًا حتى (يحقق) هدفه النهائي، جوهر بوذا". يشير مصطلح "جوهر بوذا" هنا إلى طبيعة بوذا؛ تحقيق الهدف النهائي لطبيعة بوذا يقصد به تحقيق الاستنارة. طبيعة بوذا تشير إلى العوامل التي لدينا والتي تُمكننا من تحقيق الاستنارة. لذا، "لأسير لنهاية الطريق. لن أتراجع أبدًا حتى أصل للاستنارة".

ثم بعد ذلك، و"بأعلى مراتب التصديق في الجواهر الثلاثة السامية" -كلمة "تصديق" هنا لها معنى محدد للغاية في البوذية؛ على عكس المفهوم الغربي عن كلمة تصديق، كلمة تصديق هنا لا تعني أي نوع من الإيمان، معنى هذه الكلمة في السياق البوذي هو "بالاقتناع بصحة الحقيقة". وليس "أنا أصدق في أنها ستمطر غدًا". هذا مجرد تخمين، لكننا لا نعرف حقًا. أو "أنا أصدق في وجود إله"، والذي لا يمكننا الإحاطة به وفهمه ولكننا "نؤمن" به. وليس مشابهًا أيضًا لتصديقنا في بابا نويل، أو ما شابه من الخرافات. لكننا نصدق في شيء حقيقي، واقع.

وكيف نصدق فيه؟ "نصدق في أنه حقيقة واقعية". ولذا هنا، ما الذي نتحدث عنه؟ الجواهر الثلاثة السامية، لذا، "أنا أصدق في أن هذا حقيقي. إنه حقيقة واقعية أن هناك تلك الحالة التي تزول بها كل المشاكل والنقائص من استمراريتي الذهنية وحينها ستتمكن تلك الاستمرارية الذهنية من العمل بكامل إمكانياتها. هذا شيء أُصدق في إنه حقيقة؛ إنه واقعي أن يكون هناك شيئ كهذا -هذه هي الدارما. والبوذات هم الذين حققوا الاستنارة الكاملة والسانغا حققوها جزئيًا".

لدينا هنا ثلاثة أنواع من التصديق أو الاقتناع. الاقتناع الواثق القائم على المنطق، "أنا مقتنع بأن هذا هو الوضع بناء على المنطق –أن الذهن طبيعته نقية وأن تلك الملوثات الذهنية يمكن إزالتها وأن إمكانيات الذهن هي عبارة عن كل تلك الخصائص التي لا تُصدَّق والتي لدينا باستمراريتنا الذهنية والتي ستُمكننا من إدراك كل شيء وأن يكون لدينا قلبًا متفتحًا بشكل متساوِ للجميع. بناء على المنطق، أنا مقتنع بهذا". هذا هو النوع الأول من التصديق أو الاقتناع.

ثم هناك التصديق القائم على الإلهام، "أنا مقتنع بأن هذا شيئ يمكن تحقيقه وأتمنى أن أحققه وأنا واثق من إمكانية تحقيقي لهذا".

ثم لدينا التصديق المهدئ للذهن، وهو، "أصدق في أن هذه حقيقة واقعية -أنا مقتنع تمامًا بهذا- وهذا الاقتناع يُزيل عن ذهني المشاعر المزعجة". لذا، "ليس لدي شك بهذا الخصوص. أشعر باطمئنان تام لهذا الأمر. ويجعلني هذا مستقرًا شعوريًا". هي ليست الحالة التي نكون بها، "أصدق في أن البوذات في غاية الروعة بينما أنا كائن حقير متدني هنا. لا يمكنني تحقيق شيء". هذه طريقة تفكير عصابية للغاية. ليس هذا ما نتحدث عنه هنا. ولكننا نتحدث عن التصديق في شيء يجعلنا أكثر ثباتًا واستقرارًا على المستوى الشعوري.

ثم بعد ذلك، يقول أتيشا، جاثيًا بركبة واحدة على الأرض وكفي اليد مضمومين أمام القلب"، هذا الوضع الجسدي يعبر عن الاحترام، بلا شك قائم على العادات الهندية القديمة، ثم بعد ذلك "نقوم أولًا باتخاذ التوجه الآمن ثلاث مرات"، بعبارة أخرى، نعيد التأكيد، "هذا هو التوجه الذي سأسير عليه".

(10) بعد ذلك، بذهن مُحب لجميع الكائنات كبداية، ننظر لكل الكائنات الهائمة، جميعها بلا استثناء، تعاني من الميلاد وخلافه بالعوالم المتدنية الثلاثة، ومن الموت، الانتقال، إلخ.

(11) ثم، بالأمنية لهم أن يتحرروا من معاناة الألم، من المعاناة، ومن أسباب المعاناة، نولِّد تعهد البوديتشيتا والذي به لا نتراجع أبدًا.

يقول أتيشا أننا نبدأ "بذهن مُحب"، بعبارة أخرى، نحتاج أن نبني داخلنا، أو نعمل على أنفسنا للوصول لإلهام البوديتشيتا والخطوة التالية بعد اتخاذ التوجه الآمن -نعيد التأكيد عليه، نعمل على هذا- ثم الآن نفكر في جميع الكائنات بحب. ويشار إليهم هنا بعبارة "جميع الكائنات المحدودة" -هكذا أترجم مصطلح "الكائنات الواعية"، والذي يشير إلى كل من لم يصلوا بعد لاستنارة البوذات، هم لا يزالوا محدودين، ذو أذهان محدودة.

وبهذا الذهن المُحب -الحب، كما قلنا، هو الأمنية للجميع بأن يكونوا سعداء وأن يحظوا بأسباب السعادة- نرغب في أن يكونوا سعداء؛ لكنهم ليسوا سعداء، لذا نُذكر أنفسنا بأنهم ليسوا سعداء، هم لديهم الكثير من المشاكل.

ثم يقول أتيشا "ننظر لجميع الكائنات الهائمة". "الكائنات الهائمة" هم الكائنات التي تهيم تائهة بالسامسارا، بمعنى إنها تائهة من ميلاد لآخر، أحيانًا إعادات ميلاد أفضل، وأحيانًا أسوأ. ويقول أتيشا أن ننظر لهم جميعًا، "بلا استثناء"، دون أن نترك أيًا منهم. هذه نقطة في غاية الأهمية وعندما نتحدث هنا عن الحب والشفقة فنحن نتحدث عما يطلق عليهم "الشفقة العظيمة"، والتي نوجهها للجميع. عندما نتحدث عن البوديتشيتا فنحن نستهدف أيضًا الجميع. يتطلب استهداف الجميع بتلك الطريقة أن يكون لدينا مشاعر متوازنة تجاه الجميع، لذا، فالجميع متساوين -دون تعلق تجاه البعض ونفور تجاه البعض الآخر أو لامبالاة تجاه البعض الآخر.

على الرغم من أننا بإمكاننا التركيز على طبيعة بوذا الخاصة بالجميع وبهذه الطريقة نراهم جميعًا متساوين، لكن سيصبح هذا أكثر عمقًا إذا حاولنا القيام بهذا من خلال استحضار فكرة إعادة الميلاد. لأننا عندما نفكر في هذا الأمر في سياق إعادة الميلاد، عندها فنحن نفكر في سياق الاستمراريات الذهنية الفردية، كل الاستمراريات الذهنية الفردية التي بلا بداية أو نهاية. وتلك الاستمراريات الذهنية، على الرغم من إنها فردية -أنا لست أنت وأنت لست أنا؛ حتى البوذات المستنيرون هم أفراد منفصلون- مع ذلك فهم بلا هوية متأصلة ذات صلة بهيئة هذه الحياة أو تلك الحياة، كبعوضة، كبشري، أو هذا النوع الاجتماعي أو ذك، كرجل أو أمرأة.

لذا، فالأمر بالكامل متعلق بالكارما التي نقوم ببناءها فيما له علاقة بتلك الاستمرارية الذهنية التي في هذه الحياة تحديدًا، هذا الميلاد تحديدًا، متجسدة في تلك الهيئة و النوع الاجتماعي، أو بهيئة أخرى، شكل حياة آخر أو نوع اجتماعي آخر. لذا فهذه الاستمرارية الذهنية ليست بشكل متأصل صديق أو عدو أو شخص لا أعرفه أو ما شابه، لأنها بلا بداية أو نهاية. لقد كانت كل شيء؛ تجسد بجميع الهيئات. هم "كائنات رائعة"، كل منهم كائن رائع ينتقل من حياة إلى أخرى، يظهر بهيئة بعد الأخرى، يتغير بشكل دائم، على الرغم من الفردية، التتابع الفردي.

على أساس من هذا يمكننا أن ننفتح تجاه الجميع -ليس هناك اختلاف. وهذا سبب إضافي لماذا الدارما العميقة، الدارما الشاملة تتطلب فهمًا لإعادة الميلاد، الحيوات السابقة والمستقبلية.

على الرغم من أنه وفقًا لوجهة نظر بعينها يمكننا أن نقول أن الجميع يكادوا أن يكونوا بشكل ما استمراريات ذهنية غير شخصية، ليس لها هوية متأصلة، إلا إنه من الخطر أن نُركز على هذا ونتجاهل المظاهر النسبية التي هم عليها الآن. لأننا إذا تجاهلنا المظاهر النسبية التي هم عليها الآن، سواء كانت هيئة كلب أو رجل أو امرأة أو أيًا كانت، عندها لن نتمكن من التواصل معهم بشكل قوي. وهنا يجب أن نكون قادرين على رؤية مستويين -هم من جانب استمراريات ذهنية بلا بداية أو نهاية ولا هيئة متأصلة، متغيرين باستمرار؛ ولكن لكي نجد صلة مع أي منهم سنحتاج لأن نتصل بهم على أساس من الهيئة التي هم عليها الآن، على أساس من النوع الاجتماعي الذين هم عليه الآن، شكل الحياة، الثقافة، إلخ.

ما هي ظروف تلك الكائنات الهائمة، أي جميع الكائنات؟ يقول أتيشا، "تعاني من الميلاد وخلافه" -المرض، الشيخوخة، هذا ما يُشار إليه هنا بكلمة "وخلافه"- "بالعوالم المتدنية الثلاثة"، لكن بأي عالم من العوالم، سواء كانت المتدنية أو الأفضل، هناك معاناة، ولكن بالعوالم المتدنية، كحيوانات، حشرات، وما شابه يوجد قدر أكبر من المعاناة. هذا هو ما تم ذكره هنا، ثم يُكمل: ثم في كل ميلاد هناك مشاكل "المعاناة من الموت، الانتقال"، ويقصد بالانتقال هنا هو الانتقال من ميلاد لآخر بلا توقف.

إذا الجميع متشابهون ويضيف النص المعاناة من الموت والانتقال "الخ" في إشارة إلى أنه ليس هناك أي نوع من الإرضاء، لن يكون هناك أي يقين، أي أمان بشأن ما سيأتي لاحقًا. ثم لدينا "الأمنية لهم بأن يتحرروا من المعاناة"، هذه هي الشفقة.

حسنًا، ما نوع المعاناة التي لدينا؟ أولًا "معاناة الألم"، أحيانًا يُطلق عليها "معاناة المعاناة"، أي بعبارة أخرى، التعاسة والألم، المستوى الظاهر من التعاسة الذي نتعرف عليه جميعًا كمعاناة. ثم هناك المستوى التالي، "المعاناة" المذكورة في هذا البيت والتي تشير إلى نوعَّي المشاكل أو معاناة الآخرين اللذان لدينا. أولهما مشكلة أو معاناة التغيير. والتي تشير إلى سعاداتنا العادية، ومشكلتها الكبرى هي إنها متغيرة، لا تدوم، ولا نعرف أبدًا ما الذي سيأتي بعدها.

ثم النوع الثالث وهو المشاكل أو المعاناة التي تجتاح كل شيء، وهي كوننا في إعادة ميلاد مستمرة بهذه التجمعات، بعبارة أخرى، الجسد، الذهن، وكل تلك الأشياء، والتي ستساعد على إدامة استمراريتنا بدائرة الميلاد بسبب إنتاجها للمزيد من الكارما، المزيد من المشاعر المزعجة، والمزيد من المشاكل.

ونحن لا نرغب فقط في أن يتحرر الجميع من المشاكل والمعاناة، ولكننا "نرغب في أن يتحرروا من أسبابها"، بحيث لا يختبروها أبدًا بعد ذلك. هذا يعني أننا نفهم أن أسباب تلك المشاكل ليس شيئًا خارجيًا، ولكن تلك الكلمة "الأسباب" تشير إلى الارتباك، المشاعر المزعجة، بواعث الكارما، إلخ، والموجودة بكل استمرارية ذهنية فردية.

لذا، مع الشفقة -وما لم يُذكر هنا هو الأمنية النقية أو الفكرة النقية الخاصة بتحمل المسئولية الشخصية للقيام بشيء حيال هذا- ثم "نولد تعهد البوديتشيتا والذي به لا نتراجع أبدًا". لذا ما نتحدث عنه هنا ليس مجرد إلهام البوديتشيتا، "أنا فقط أتمنى أن أحقق الاستنارة من أجل أن أساعد الآخرين"، ولكنها حالة ذهنية أقوى، "أنا لن أتراجع أبدًا عن هذه الوجهة حتى أحقق فعلًا الاستنارة"، هذه هي حالة تعهد إلهام البوديتشيتا.

النص لا يشير ببساطة إلى أول مرة نقوم فيها بهذا، أن لدينا الطقس الإجرائي الذي يحدد لنا ذلك، لكن في كل يوم أثناء تأملنا، لنُعَوِّد أنفسنا على هذا، من المفيد للغاية أن نتبع هذا الطقس الإجرائي، لأنه يجعل الحالة التي نولدها أكثر حسمًا، بدلًا من أن تكون نوعًا من، "حسنًا، أنا أفكر في هذا". ولكننا نحول الأمر لطقس شخصي نقوم به كل يوم مع تقديم الهبات وخلافه، ثم نُظهر حقًا احترامنا لأنفسنا ولما نقوم به في حياتنا.

لكن عندما نقوم بتلك الطقوس الإجرائية كل يوم، تدريب الذهن عبر استخدام الطقوس الإجرائية، فهذا يعني إتباع سلسلة بعينها من الإجراءات، فيكون علينا أن نكون حذرين من أن يصبح الأمر آليًا بدون مشاعر. يصبح مجرد عادة نتبعها ثم تتحول إلى واجب والتزام، وإذا لم نقم بها، نشعر بالذنب، لذا نقوم بها فقط لنتجنب الشعور بالذنب، أو نقوم بها لإرضاء معلمنا، لأن معلمنا قال لنا هذا. هذه كلها طرق عصبية للتعامل مع هذا النوع من التدريبات ولذا من المهم للغاية أن نفكر في فوائد القيام بها. لهذا السبب يتحدث أتيشا في الأبيات التالية عن فوائد تلك الحالة الذهنية، هذا النوع من التدرب وكيف نكون مخلصين فيه، بمشاعرنا.

فوائد تنمية هدف البوديتشيتا

كان أتيشا يصف الطقس الإجرائي الذي يمكننا من خلاله تنمية حالة تعهد إلهام البوديتشيتا والتأكيد عليها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الفوائد قائلًا:

(12) فوائد توليد ذِهنَّي الإلهام هذين تم شرحهما من قِبل ماتريا في سوترا الانتشار المشابه للشجرة ذات الثلاثة جذوع.

استخدام صيغة المثنى في عبارة "ذِهنَّي الإلهام هذين" تشير للمرحلتين التي ذكرناهما سابقًا، حالتي الإلهام البسيط ثم تعهد الإلهام. وهذه السوترا -يطلق عليها في السنسكريتية "غاندافياه سوترا"- هي سوترا شهيرة عن مسار البوديساتفات وتشرح بشكل مطول فوائد تنمية البوديتشيتا. تسونغكابا، مؤسس تقليد الغيلوك، مدحها بشكل كبير. قال أن أحد أسباب انتشار التعاليم الخاصة بالبوديساتفات يعود تحديدًا إلى هذه السوترا.

لا يذكر أتيشا هنا أيًا من هذه الفوائد على وجه التحديد، لكن تلك الفوائد ناقشها شانتيديفا. ومن المهم للغاية عندما نحاول تنمية حالة ذهنية بعينها أن نفهم فوائد تنمية تلك الحالة، حينها سنتقرب منها بكامل طاقتنا. وعبر تذكير أنفسنا بتلك الفوائد مرة بعد الأخرى، نشجع أنفسنا على التقدم أكثر لهذه الوجهة.

لذا، إذا حافظنا دائمًا على هدف البوديتشيتا حاضرًا بأذهاننا، فسنُبقي دائمًا أذهاننا مثبته على هدف تحقيق استنارتنا المستقبلية. عندما نتحدث عن الحالة الذهنية، يقول تسونغكابا بشكل واضح أننا يجب أن نعرف ما الذي نُركز عليه وكيف يتناول الذهن محله الذي يُركز عليه. هنا، كما قلت، مع البوديتشيتا، نُركز على استنارتنا المستقبلية. الطريقة التي تتناول بها أذهاننا محل التركيز، استنارتنا المستقبلية، هي عبر دافع، "يجب أن أساعد الجميع. أنا حقًا راغب في مساعدة الجميع. ومن أجل أن أستطيع مساعدتهم بأفضل طريقة فأنا بحاجة لأن أحقق تلك الاستنارة المستقبلية. وعندما سأحققها، عندها سأكون في أفضل نفع ممكن للآخرين".

هناك بالطبع قوائم للفوائد الكلاسيكية التي ذُكرت بالنصوص المختلفة، لكن إذا تحدثنا بشكل عام، تكون أذهاننا هنا متفتحة بالكامل. تهدف إلى أكمل تنمية يمكن أن تصل إليها ودائمًا ما تفكر في، "أحتاج لأن أحقق هذا، أرغب في تحقيق هذا، ويمكنني تحقيق هذا". لذا فنحن نفكر في سياق أعلى حالات التطور الممكنة و"سأقوم بهذا" و"يمكنني القيام بهذا".

ونقوم بهذا من أجل مساعدة الآخرين، "ليس لأنفسنا". ويتم مد نطاق الذهن حتى يتمكن من مساعدة الجميع، لذا فهذا الذهن شاسع لأكبر قدر ممكن. هذا يولد قدرًا هائلًا من الطاقة، أكبر بكثير من المتولدة من طريقة التفكير المحدودة المنحسرة في تحقيق النفع لأنفسنا، أو نفع عدد محدود من الأشخاص.

نعرف هذا من مثال بسيط، إذا كنا نعيش وحدنا ولدينا صداع، لا نشعر جيدًا، ثم قد لا نهتم بتناول وجباتنا عندما نرجع إلى لمنزل في المساء. نذهب إلى النوم وفقط. لكن إذا كان لدينا أطفال، فعندها لا يمكننا القيام بهذا. حيث يمنحنا الاهتمام المنصب على أطفالنا القوة للتغلب على الصداع الذي قد يكون لدينا ولن توقفنا مثل تلك الأشياء عن الاعتناء بهم. ولذا نكون قادرين على نفع شخص آخر، فنطبخ الطعام لأطفالنا.

الطريقة التي شُرح بها هذا الأمر في النصوص هي أن العقبات التي نواجهها في الطريق لا تجعلنا نحيد عن مسارنا بسبب احتياج الجميع لنا. وهذا الاحتياج ينمو ويتغلب كل العوائق، يمنحنا القوة لاختراقها. على الرغم من أنه قد يكون لدينا، دعنا نفترض، توجه آمن بحياتنا، ملجأ، معنى لحياتنا، لكن كل هذا لا يحمل عنصر العجلة. ليس هناك طاقة كبيرة خلف ما نرغب في تحقيقه من أهداف، لكن عندما نهتم بالآخرين، يمنحنا هذا الطاقة للقيام بأشياء هائلة.

انظروا إلى هؤلاء من يعملون من أجل قضية التبت أو لوقف الحروب أو أي من القضايا الأخرى. يفكرون في سياق تحقيق رفاهة الآخرين، وهذا يمنحهم طاقة هائلة للقيام بأشياء ضخمة للغاية، وليس فقط الجلوس بمنازلهم والتفكير بأنفسهم وأسباب قلقهم. ويمنحنا هذا أيضًا الشجاعة على تجربة أشياء جديدة، أن نحاول استكشاف قدراتنا، مواهب جديدة قد تكون لدينا، ونعمل على استخدامهم بأفضل طريقة ممكنة، والتي قد لا يكون لدينا وحدنا الطاقة الكافية لاستكشافهم.

(13) عندما تقرأ تلك السوترا أو تسمع من معلمك ما يتعلق بهذا الأمر، وتصبح واعيًا بالفوائد التي لا نهاية لها للبوديتشيتا الكاملة، عندها، وكسبب لجعلها مستقرة، وَلِّد ذلك الذهن مرارًا وتكرارًا.

عندما نتعلم تلك الفوائد سواء عبر قراءة السوترا أو عندما نستمع إلى شرح معلمنا الروحاني لتلك الفوائد نصبح واعين بها -هذا لا يعني مجرد سماعنا عنها، ولكن أن نعرفها حقًا بكل قلوبنا، ونشعر بهذا حقًا ونحن مقتنعون "بالفوائد التي لا نهاية لها للبوديتشيتا"، ثم نحتاج بعد ذلك أن نحاول أن نجعل تلك الحالة الذهنية مستقرة، وجعلها جزءًا راسخًا منا، من الطريقة التي نفكر بها دائمًا، التي نتحرك بها دائمًا في حياتنا.

ومن أجل القيام بهذا سنحتاج أن "نولد ذلك الذهن مرارًا وتكرارًا". هذا يعني تقويته، إعادة التأكيد عليه، مرة بعد الأخرى. الآن، في البداية سنحتاج لأن نعمل على أنفسنا حتى نصل إلى الشعور بتلك الحالة الذهنية، لذا سنحتاج لأن نتبع منهجية معينة أثناء التأمل حيث ننمي فيها أولًا الحب والشفقة ثم نتدبر فيما سنحتاجه من أجل أن نكون قادرين على مساعدة الآخرين، لنصل إلى أفضل شيء سيُمكِنُنا من تحقيق هذا النفع؛ وهو عبر الوصول إلى الاستنارة، وبهذه الطريقة نعمل على أنفسنا حتى ننمي البوديتشيتا. وهذا طبيعي؛ هذه هي المنهجية التي سنحتاج لأن نتبعها في البداية لنتمكن من توليد تلك الحالة الذهنية.

هذا مماثل للطريقة التي سنتبعها لفهم الخلو، سنحتاج أن نستخدم سلسلة من المُسببات المنطقية مرارًا وتكرارًا من أجل تأكيد اقتناعنا بالخلو ولنكون مقتنعين تمامًا بالطريقة التي توجد بها الأشياء. أعني، لأكون أكثر دقة، فيما يتعلق بالخلو نكون مقتنعين بأن الأشياء لا توجد بطرق مستحيلة بعينها. لكن ما أن نتمكن من الوصول بأنفسنا لتلك الحالة الذهنية، سواء كانت البوديتشيتا أو فهم الخلو، عبر إتباع منهجية بعينها في التفكير، وعبر تكرار هذا مرارًا وتكرارًا، سنصل في النهاية إلى النقطة التي نصبح فيها معتادين تمامًا على تلك الحالة الذهنية، وبالتالي نستطيع الشعور بها فورًا دون الحاجة لتكرار أي مُسببات منطقية أو اِتباع منهجية ما في التفكير والتدبر.

إذا تجاوزنا خطوة العمل على أنفسنا وصولًا لتوليد البوديتشيتا عبر منهجية ما وانتقلنا من البداية مباشرة إلى، "ليتني أحقق الاستنارة لأجل نفع جميع الكائنات"، إذا فعلنا هذا، فسنعرض أنفسنا للخطر. الخطر هنا هو أننا لن يتولد لدينا الكثير من المشاعر الإيجابية الكامنة خلف البوديتشيتا وبالتالي سيفتقد دافع البوديتشيتا لدينا الدعم القوي المتولد عن الحب والشفقة واللذان يجب أن يصاحباها.

بعبارة أخرى، "ليتني أحقق الاستنارة لأجل نفع جميع الكائنات"، نحن نردد تلك الكلمات بطريقة سطحية، لكننا لا نشعر بشيء حقًا. نحن لا نُذكِّر أنفسنا بمعاناة الآخرين وكم هي بشعة ومقدار رغبتنا في القيام بشيء تجاهها وأن "هذا ما أرغب في محاولة القيام به لمساعدتهم". لذا، هذه الحالة الذهنية، البوديتشيتا، يكمن خلفها الكثير من المشاعر.

هذه نقطة غاية في الأهمية، لأنه من السهل للغاية أن نتجاوز هذا الأمر، وتتحول حينها البوديتشيتا إلى مجرد كلمات، وليس مشاعر تحركنا داخليًا. وعبر تذكير أنفسنا بفوائد البوديتشيتا، يحفزنا هذا أكثر على العمل بجد على توليدها بالطريقة الصحيحة.

(14) القوى الإيجابية المتولدة عن هذا تم شرحها بشكل مفصل في السوترا التي طلبها فيراياتتا. وحيث أنه تم تلخيصها في ثلاثة أبيات، فدعوني أذكرهم هنا.

يشير مصطلح "القوى الإيجابية" إلى الطاقة الإيجابية المتولدة عن تنمية تلك الحالة الذهنية، وتكون تلك الطاقة، في بعض الأحيان، في غاية القوة. تعطينا قوة دافعة هائلة لنحقق هدفنا. ولذا إذا نظرنا لتلك الأبيات الثلاثة الواردة بالسوترا فهم:

(15) "لو كان للقوى الإيجابية المتولدة عن البوديتشيتا هيئة مادية، لملأت الفضاء بالكامل وفاضت عنه.

(16) وحتى إذا ملأ شخص ما بالجواهر عوالم بوذا مساوية في عددها عدد حبات رمال نهر الغانغ،

(17) فالقوة الإيجابية المتولدة عن شخص يضم يديه أمام قلبه ويوجه ذهنه إلى البوديتشيتا لهي أعظم من أي من تلك الهبات؛ لن يكون لتلك القوة حد".

عندما نعمل مع البوديتشيتا، نفكر في تحقيق الاستنارة، والاستنارة هي الحالة التي بها ستكون قلوبنا وأذهاننا منفتحه أكبر من اتساع الفضاء نفسه وسنفكر في نفع كل من يقع بهذا الفضاء. أن نفكر بمثل هذا النطاق الشاسع لهو شيء استثنائي بشكل خارق للعادة؛ ومن الواضح أن الطاقة الإيجابية المتولدة عن التفكير بمثل هذا النطاق الشاسع ستكون بالمثل قوة إيجابية شاسعة.

إذا فكرنا في هذا، لنأخذ الأمر على محمل الجد، حتى إذا لم نفكر فيه من منطلق الحيوات الماضية والمستقبلية، لنكون مخلصين بالكامل في تفكيرنا به، "سأحاول تحرير كل حشرة بهذا العالم ومساعدتها على تحقيق الاستنارة، كل صرصور، كل بعوضة، إلخ" ونكون حقًا مخلصين في هذا، فهذا شيء خارق للعادة، أليس كذلك؟ لا يصدق. أن يستطيع شخص ما أن يكون جادًا بالكامل بهذا الشأن ويشعر به حقًا، أن شخصًا ما يمكنه حقًا أن يكون على هذه الشاكلة، ليس فقط أي شخص، ولكن "أنا يمكنني أن أصبح على هذه الشاكلة".

إذا تمكنا حقًا من أن نصل لهذه الحالة وأن نكون مخلصين تمامًا، القوة الإيجابية المتولدة، الطاقة التي ستمنحنا إياها تلك الحالة الذهنية، ستكون هائلة بشكل لا يصدق. كما تقول الأبيات، "ستملأ الفضاء"، بالضبط كما ستشمل أذهاننا كامل الفضاء، "وستفيض".

بالطبع، للوصول إلى كل الحالة الذهنية سيكون علينا أن نعمل عبر مراحل متدرجة. عادة ما يقول الناس، "نعم، أرغب في نفع جميع الكائنات". لكن "جميع الكائنات" الواردة بهذه العبارة لا نأخذها بجدية؛ لذا تصبح تقريبًا بلا معنى، مجرد كلمات فارغة. نحتاج لأن نعمل على النقاط الأصغر أولًا: نفكر في سياق أنفسنا، هؤلاء من نعرفهم، الأصدقاء، الأشخاص المحايدين، الأشخاص الذين لا نحبهم، ثم نمد نطاق هذا للجميع من بمدينتنا، مجتمعنا، الكوكب، مختلف أشكال الحياة، الكواكب الأخرى.

نعمل بشكل متدرج عبر اتباع مجموعة من الخطوات. لا نقفز فورًا إلى، "جميع الكائنات" ونتوقع أن تكون ذات معنى ما على المستوى الشعوري. يقول البعض أنهم يعملون من أجل جميع الكائنات، لكن ليس لديهم وقت لعائلاتهم أو لأصدقائهم، فهل هذا معنى العمل من أجل جميع الكائنات؟

كما يقول البيتين التاليين، تنمية الموقف الداخلي الخاص بالبوديتشيتا، ذهن البوديتشيتا هذا يولد قوى إيجابية أسمى بكثير من تقديم الهبات لبوذا. البوذات ليسوا بحاجة لأي هبات من الجواهر أو سواها؛ ما الذي سيفعلونه بالمال؟ هذا ليس ما يحتاجه بوذا من أجل أن يتمكن من نفع الآخرين. أعني، بالطبع، إذا كانوا كائنات عظيمة تعمل على نفع الآخرين، عندها بالطبع سيحتاجون نوعًا من الدعم المالي وبالتالي سيكون مفيدًا أن نقدم الهبات للمشاريع العظيمة التي تخدم الآخرين. لكن البوذات الحقيقيون بأراضي بوذا، فهذا شيء آخر.

لكن على أي حال، إذا نمينا ذلك الموقف الداخلي، فسيتولد عنه قوى إيجابية هائلة، لأن هذا هو ما سيساعدنا على الوصول إلى حالة الاستنارة بأنفسنا وجلب نفع أكبر بكثير لجميع الكائنات.

التدرُّب التالي على تنمية حالة إلهام البوديتشيتا

(18) ما أن يتم توليد حالتي إلهام البوديتشيتا، قم بتحسينهم ببذل الكثير من الجهد؛ وكن حاضر الذهن لهما سواء بهذه الحياة والحيوات التالية، اِحمهما وفقًا لما تم شرحه بالنصوص.

ما أن قمنا "بتوليد حالتي إلهام ذهن البوديتشيتا" -مجرد تمني تحقيق الاستنارة والتعهد بعدم التراجع أبدًا حتى تحقيق الاستنارة- نحتاج عندها أن نقوي تلك الحالتين بالكثير من العمل، كما قيل بالبيت "الكثير من الجهد". نرغب في تقوية تلك الحالتين بحيث لا نحتاج لأن نبذل الجهد لتوليدهما عبر التأمل على الحب والشفقة، ولكن لينبعا من داخلنا بشكل طبيعي ومخلص للغاية.

ثم سنرغب بعد ذلك في تقويتهما أكثر، بحيث يكونا حاضرَين طيلة الوقت، وليس فقط عندما نتذكرهما. من أجل أن نتذكرهما -وهذا هو المقصود بأن تكون "حاضر الذهن لهما سواء بهذه الحياة أو التالية"- هناك مجموعة من التدريبات التي ستساعدنا على تحقيق هذا. هناك أربعة أشياء نتدرب عليها، نتدرب بها، والتي ستساعد على عدم هبوط عزيمة البوديتشيتا لدينا، ألا تضعف بهذه الحياة:

أولهم: تذكر فوائد تنمية البوديتشيتا كل صباح ومساء. حسنًا، كل صباح ومساء، أحيانًا أقول، "ثلاثة مرات في الصباح، ثلاثة مرات في المساء"، لن يشكل هذا فارقًا، قوموا بذلك قدر استطاعتكم. أشار أتيشا لهذا في الأبيات الأولى، عند التدبر في فوائد البوديتشيتا، إذا كانت حاضرة بأذهاننا ونتذكر تلك الفوائد كل صباح، كل مساء، على سبيل المثال أثناء تأملنا، فعندها لن تضعف تلك العزيمة.

التدريب الثاني هو إعادة التأكيد وتقوية دافع البوديتشيتا عبر إعادة تكريس قلوبنا للاستنارة ثلاث مرات في النهار وثلاث مرات في المساء.

ثم التدريب الثالث وهو السعي لبناء، ما أطلق عليه، "شبكتي بناء الاستنارة، شبكة القوة الإيجابية وشبكة الوعي العميق". وهو ما يُطلق عليه عادة "مراكمة الاستحقاقات والحكمة"، فنحن نتحدث عن القوى الإيجابية الناتجة عن القيام بالأشياء البناءة، مثل المساعدة الفعلية للآخرين، التأمل على البوديتشيتا. والأمر ليس كأننا نجمع نقاط في كل مرة نساعد فيها شخصًا ما ونراكم تلك النقاط كما لو كنا "نراكم الاستحقاقات"، الأمر ليس كأننا نجمع الطوابع. لكن بدلًا من ذلك فإن القوى الإيجابية الناتجة عن تلك الأفعال البناءة تكون شبكة فيما بينها. نحن نكرس تلك الشبكة لتحقيق هدف الاستنارة، لذا تبني لنا تلك الشبكة القوى التي ستأخذ بنا إلى الاستنارة، أن يكون لدينا بالفعل الجسد المادي لبوذا والذي يمكنه مساعدة الآخرين بالكامل.

ثم الشبكة الثانية وهي شبكة الوعي العميق، والذي هو بالأساس وعينا بالخلو. ومرة أخرى، كلما تدربنا مرارًا على التأمل على الخلو، فهذا الوعي العميق بالخلو الذي يتولد لدينا أيضًا يُكوِّن شبكة، ويصبح فهمنا أعمق وأعمق، يصبح أكثر حسمًا. ويصبح هو الآخر باني للاستنارة، يبني ويكون السبب الأساسي لحيازتنا لذهن بوذا.

لذا إذا كنا دائمًا نعمل على تقوية تلك الشبكتين، شبكتي بناء الاستنارة، طيلة الوقت، فمن الواضح عندها أننا نقوم بهذا مع البوديتشيتا، لأن ما الهدف الذي سينتج عندها؟ الهدف منهما هو تحقيق الاستنارة؛ هدفهما هو أن نكون قادرين على نفع الآخرين أكثر بينما نتقدم أكثر وأكثر نحو الاستنارة وحتى نحققها بالكامل في النهاية.

وكلما تقدمنا أكثر في عملية تقوية الشبكتين، فنتيجة لهذا يصبح عزمنا أقوى وأقوى. سنبدأ في حصد بعض ثمار تلك الشبكتين فيما له علاقة بطريقة وجودنا. وحياتنا تصبح أكثر وأكثر ذات معنى، ذات توجه، وأذهاننا تبقى في حالة إيجابية بمعدلات أكبر وأكبر. هذا يساعد عزيمة البوديتشيتا على ألا تنحدر، ألا تضعف في هذه الحياة.

ثم التدريب الرابع بعد ذلك هو ألا نيأس أبدًا من تقديم المساعدة لأي شخص، أو على الأقل ألا نفقد أمنيتنا بأن نكون قادرين على القيام بشيء ما، مهما كان هذا الشخص صعب الطِباع. إذا يأسنا من شخص ما، عندها، من الواضح، أن العزيمة الهادفة لمساعدة الجميع ستصبح أضعف وأضعف، "لأني لا أرغب حقًا في التعامل معه هذا الشخص؛ وذلك الشخص بشع أيضًا، التعامل معه صعب للغاية".

لذا، حتى إذا كان باستطاعتنا مساعدة شخص ما ولم يكن هذا أفضل استثمار لوقتنا، لأن هناك آخرين ممن نستطيع مساعدتهم بشكل أفضل وبالتالي، "حسنًا، بشكل مؤقت لن أضع الكثير من الجهد في مساعدتك"، فعلى الأقل سنظل محافظين على أمنية أن نكون قادرين على مساعدته عندما يكون أكثر تفتحًا لنا. إذا لم نتخلى أبدًا عن أي شخص، فعندها بالمثل لن يضعف أبدًا عزمنا. تلك هي التدريبات الأربعة حتى لا تضعف عزيمة البوديتشيتا بهذه الحياة.

ثم هناك عدة نقاط خاصة بالتدرب من أجل ألا نفقد عزم البوديتشيتا بالحيوات المستقبلية. التدرب لعدم فقد عزيمة البوديتشيتا بالحيوات المستقبلية هو من خلال تخليص أنفسنا من الأربعة أنواع من السلوكيات المظلمة أو القاتمة وبدلًا منها ننمي الأربع أنواع من السلوكيات المتوهجة. الترجمة الحرفية للكلمات التبتية هي الأفعال الأربعة "السوداء" والأفعال الأربعة "البيضاء"، لكنه ليس من الملائم وفقًا لمقتضيات هذا العصر استخدام مثل تلك المصطلحات، لذا بدلًا منها استخدم "المظلمة" و"المتوهجة". على أي حال، أولهم هم الأفعال السلبية التي علينا تجنبها والمجموعة الثانية بتلك الثنائيات هي ما علينا أن نتبناها.

أولًا علينا أن نتوقف عن الخداع، ألا نخدع أبدًا معلمونا الروحانيين أو أبوينا أو الجواهر الثلاثة وبدلًا من هذا نكون أمناء معهم فيما يتعلق بدوافعنا وجهدنا في مساعدة الآخرين.

هذه نقطة غاية في الأهمية، فيما له علاقة بمقدار مساعدتنا للآخرين، كم نحن نفكر بالفعل في الآخرين، ولا نتظاهر بهذا فقط من أجل أن نظهر بمظهر الأشخاص الرائعين، المتدربين البوديساتفات العظام بينما في الحقيقة نحن لسنا كذلك، نحن فقط في غاية الأنانية. مرة أخرى، من المهم للغاية أن نكون أيضًا واقعيين بهذا الشأن. وكما أن السامسارا ستظل في صعود وهبوط حتى نصبح كائنات مُحررة، حتى نصبح أرهات، بشكل مشابه، حتى نخلص أنفسنا بالكامل من التشبث بالذات الراسخة، دافعنا دائماً ما سيكون مختلطًا قليلًا بأفكار أنانية.

مرة أخرى، نحن لن نخلص أنفسنا تمامًا من هذا حتى نصبح كائنات متحررة، أرهات. ولذا، كما يردد دائمًا قداسة الدالاي لاما، إذا كنا أمناء وتفحصنا أنفسنا، سنجد دائمًا أن لدينا دوافع مختلطة: جزء منها غيري، ولكن سيكون هناك أيضًا القليل من الانحسار في الذات. لا تقلقوا بهذا الشأن، فقط حاولوا أن تجعلوا الجزء الغيري أقوى من الجزء المنحسر بالذات. لذا، نحتاج لأن نكون أمناء بهذا الشأن، ولا نخدع معلمينا، لا نخدع أبوينا، وألا نخدع أنفسنا، ألا نخدع الجواهر الثلاثة.

التدريب الثاني هو التوقف عن انتقاد أو إزدراء البوديساتفات، لكن بدلًا من ذلك، وحيث أنه فقط البوذات هم من يستطيعون أن يكونوا متيقنين ممن هو بالفعل بوديساتفا -"كيف يمكن لي أن أعرف ما إذا كان هذا الشخص بوديساتفا أم لا؟" لا يمكننا- لذا، حيث أن بوذا فقط مَن يستطيع أن يعرف، عندها نحاول أن ننظر للجميع بطريقة نقية كما لو كانوا معلمينا. حتى إذا تصرفوا بطريقة بشعة، يظل بإمكانهم أن يعلمونا ألا نتصرف بتلك الطريقة.

إذا لم نكن أمناء بشأن دوافعنا، فبالتأكيد في الحيوات التالية سيتدنى الأمر أكثر وأكثر. كيف يمكننا حقًا أن نستمر في هذا الاتجاه إذا لم نكن أمناء بشأنه، إذا كنا مخادعين بشأنه؟ وبشكل مشابه، إذا كنا نرغب في العمل لأجل الاستنارة في الحيوات المستقبلية أيضًا، العمل كبوديساتفات. فإذا كان هناك آخرون يعملون أيضًا نحو ذات الوِجهة وقلنا عليهم "ما تقوم به ليس جيدًا وليس كافيًا"، أو"…ليست تلك الطريقة التي أرغب أن أقوم بها"، أو ما شابه، فمرة أخرى، سيعيق هذا كامل توجه البوديتشيتا. لذا من الطبيعي في الحيوات المستقبلية أننا لن نستمر بذات العزم.

نحن لسنا بحاجة لأن نوافق على كل شيء يقوم به الآخرين، لكنه ليس من المفيد أيضًا أن يكون لدينا أذهانًا ناقدة بشدة وسلبية. قد لا أوافق على ما يقوم به هذا الشخص، "لكن يظل بإمكاني أن أتعلم منه، أمنع نفسي عن التصرف بتلك الطريقة"، على سبيل المثال. لذا، دائمًا ما نحاول أن نرى الجانب الإيجابي للأشياء، "ما الذي يمكنني أن أتعلمه من تلك الأشياء التي تحمل نكهة البوديتشيتا؟" عندما نفكر في الهدف الإيجابي الذي نرغب في تحقيقه، بدلًا "نقائصي"، نفكر في كل خصالنا الجيدة التي نرغب في تنميتها أكثر وأكثر؛ وفيما له علاقة بنقائصنا، "تلك التي أرغب في إزالتها". بالمثل، الآخرين والنقائص التي لديهم، "حسنًا، أرغب في إزالتها جميعًا مني أولًا". لذا، هم يعلموننا، إن ما يقومون به لهو شيئ إيجابي للغاية.

التدريب الثالث هو أن نتوقف عن جعل الآخرين يندمون على الأشياء الإيجابية التي يقومون بها. إذا طلبنا مساعدة أحدهم، لنفترض أن يكتب لنا شيئًا على الحاسب، وأرتكب الكثير من الأخطاء، إذا صحنا علي، عندها قد لا يعرض مساعدتنا بعد ذلك أبدًا. لقد كان يحاول مساعدتنا؛ كان يحاول أن يكون شخصًا إيجابيًا، يحاول أن ينموا أكثر وأكثر ونقول له، "أنت غبي. لا يمكنك القيام بأي شيء". عندها سيندم ويتوقف عن محاولة التصرف بشكل إيجابي ولهذا تأثير سلبية على نمونا المستقبلي.

بدلًا من ذلك نحاول أن نشجع الآخرين على أن يتبنوا أنماطًا بناءة، وإذا كانوا متفتحين لنا، نشجعهم على العمل للتغلب على نقائصهم، إدراك إمكانياتهم، أن يكونوا أكثر نفعًا للآخرين، بعبارة أخرى، نشجعهم على مسار الماهايانا -ولكن لا نضغط عليهم أو نفرض عليهم القيام بهذا بطريقة تبشيرية، وفقط إذا كانوا متفتحين لنا.

ثم بعد ذلك التدريب الرابع والأخير، أن نتوقف عن النفاق والادعاء في تعاملنا مع الآخرين، بعبارة أخرى، أن نُخفي أخطائنا ونتظاهر بأن لدينا خصالًا نفتقدها. بدلًا من ذلك نتحمل مسئولية مساعدة الآخرين ودائمًا ما نكون أمناء وصرحاء بشأن حدودنا وقدراتنا. إذا حاولنا مساعدة أحدهم، يجب ألا نَعِد بأكثر مما نحن قادرين على القيام به -هذا مهم للغاية، وإلا سنخذلهم. سيصابون بإحباط شديد وستثبط أيضًا عزيمتهم. لذا، لا نتظاهر بقدرتنا على القيام بأكثر مما يمكننا القيام به ولا نُخفي أخطائنا وحدودنا -هذا مهم للغاية.

هذه هي التدريبات التي ستمكننا من عدم فقد عزم البوديتشيتا في الحيوات المستقبلية. عندما قال أتيشا "أن نكون حاضري الذهن" كان يقصد أن نكون حاضري الذهن للبوديتشيتا، "بهذه الحياة والحيوات التالية"، أي بالحيوات المستقبلية "اِحمهما وفقًا لما تم شرحه بالنصوص"، فكان يشير إلى تلك التدريبات.

Top