النقاط الأساسية حول الكارما

تُشير الكارما إلى الإلحاح الذهني الذي يجعلنا نتصرف، ونتكلم ونفكر بطرق قهرية. بالتصرف بناء على ذلك الإلحاح، فنحن نُعزِز من عاداتنا القديمة. وكنتيجة لذلك، نختبر تأرجح أمزجتنا ونُكرر أنماطنا السلوكية غير المُتحكَّم بها. إلا أن تلك النتائج العائدة على الكارما الخاصة بنا غير مُقررة مُسبقًا، إنهم غير ثابتين: نحن نستطيع التأثير على ما نختبره، نستطيع جعلها أكثر خفة بما أن حدة تلك النتائج تعتمد على العديد من العوامل التي نستطيع التأثير عليها.

الكارما والحقائق الأربع النبيلة

سنتحدث هنا عن الكارما، وهو موضوع رئيس في البوذية، ويمكننا أن نرى أهميتها بالنظر في كيفية موافقتها مع الحقائق الأربع النبيلة؛ الحقائق الأربع التي يراها ذوو المكانة الرفيعة على أنها صحيحة، وهذه الحقائق الأربع هي ما علَّمها بوذا بوصفها بنية أساسية لتعاليمه.

والحقيقة الأولى للحياة هي أنها صعبة مليئة بالمشكلات، فما هذه المشكلات؟ إنها بصفة أساسية إحساس بمستويات صعبة من السعادة والتعاسة التي نمر بها في كل لحظة، وهذه هي المشكلة الحقيقية.

في بعض الأحيان نمر بخبرات من المعاناة الغريزية (البدائية)؛ التعاسة والألم، التي تشكل مشكلة بصورة واضحة، ثم نمرُّ بعد ذلك بالسعادة في بعض الأحيان، ولكنها تكون سعادة زائلة، فهي لا تدوم. ومثل هذه السعادة الزائلة فيها الكثير من المشكلات، إنها تسمى "السعادة المشوبة"؛ تشوبها الحيرة (التشويش). وهذا يعني: أنها لا تستمر فقط، ولكنها لا تعطينا الرضا أيضًا.

يكون لدينا سعادة أكل وجبة لذيذة والشبع بها، ولكنها لا تدوم، فهي لا تمحو مشكلة الجوع إلى الأبد. وكذلك كلما أكلنا أكثر من وجبة ينبغي أن نصبح أكثر سعادة، ولكن هذا لا يحدث. فإذا أكلنا كثيرًا جدًّا فإننا نمرض. وأيضًا ليس هناك يقين بشأن ما سيتلو سعادتنا هذه عندما تنتهي، فربما نكون سعداء بشأن شيء آخر، أو قد نشعر بالحزن، أو بحالة من الحيادية فقط (لا هي سعادة، ولا هي حزن). لا يمكننا أن نجد أي أمان أو اطمئنان من هذه السعادة الزائلة، لذا فهذه مشكلة. فقد نستمتع بهذه السعادة الزائلة بما هي عليه، ولكنها ليست بالشيء الذي يمكنه حقًّا أن يحل كل مشكلاتنا، نحن دائمًا نريد المزيد والمزيد.

والنوع الثالث من المشكلات الحقيقية هي الخبرة التي نمر بها عندما يكون لدينا إحساس محايد، إننا نذهب للنوم ونشعر بنوع من الحيادية (عدم الشعور بالسعادة أو الحزن)، ولا يحدث الكثير من هذا القبيل، ولكن مرة أخرى لا يحل هذا كل مشكلاتنا، فلا يمكننا أن نبقى نائمين إلى الأبد.

وسيصاحب أحد هذه الأحاسيس – السعادة أو التعاسة أو الحيادية – كل لحظة من وجودنا السامساري، وهذا ما وصفه بوذا بالمشكلة الحقيقية، وليس هذا لمجرد أنني لا أستطيع أن أجد وظيفة. فمن المهم جدًّا أن ندرك أننا نتكلم عن كل لحظة، وليس عن بعض الأحيان فقط.

كل هذه الخبرات الحياتية التي تعج بالمشكلات تأتي من سبب، وهو بصفة أساسية الكارما والعواطف المزعجة والمواقف المزعجة. دعونا نترك هذا الموضوع كما هو. إن المشكلات الحقيقية هي نضج للكارما، والأسباب الحقيقية هي الكارما، لهذا يكون التوقف الحقيقي هو إيقافا للكارما والعواطف المزعجة والطريق أو المسار الصحيح للعقل هو الفهم الذي سينتج عنه الإيقاف الحقيقي. وبالتالي فالكارما هي موضوع مركزي في التعاليم البوذية، لذا من المهم جدًّا أن نفهم ما الكارما.

تعريف الكارما

عندما ننظر في تعريف الكارما نجد أنها تُعرَّف بصورة مختلفة في الأنظمة البوذية المختلفة، مثل كل شيء تقريبًا في البوذية. ودعونا نتمسك هنا بأبسط نسخة أو نص، الذي نجد فيه الكارما تُعرَّف بأنها دافع عقلي يدفع بنا في اتجاه خبرة من نوع خاص. وليست الكارما فعلاً في حد ذاتها، وهذا ما يوقع كثيرًا من الناس في حيرة وخلط، فهم يعتقدون أن الكارما تشير إلى الأفعال، وخاصة أن بعض المترجمين يترجمون "الكارما" بكلمة "الفعل"، وهي ليست كذلك، إنما هي الدافع أو الحافز للفعل نفسه.

وهذا الدافع الذي سيجعلنا نفعل أي شيء إنما هو عامل عقلي، ودائمًا ما يكون مصحوبًا بثلاثة عوامل عقلية أخرى:

  • الأول: هو التمييز، عادة ما يترجم بـ"الإدراك". إننا نميز شيئًا ما من داخل مجال المعنى: هذا الشخص بوصفه معارضًا لذلك الشخص، وهذا الشيء بوصفه معارضًا لذلك الشيء. ونحن بحاجة إلى تمييز الشيء الذي سيوجَّه فعلنا نحوه.
  • الثاني: هو القصد أو النية: وهو مثل الهدف: ما الذي ننوي فعله؟ إننا ننوي أن نؤذي هذا الشخص، أو أن نقدم له العون.
  • الثالث: هو الانفعال الذي يصاحب هذا. ويمكن أن يكون هذا الانفعال انفعالاً مزعجًا، مثل الغضب، أو انفعالاً إيجابيًّا، مثل الحب. إننا نريد أن نؤذيهم لأننا نكون غاضبين منهم، أو نساعدهم لأننا نشعر بالحب لهم. والدافع الذي يدفع بنا إلى الفعل هو الكارما.

المعنى البوذي للدافع

توجد هنا كلمة أخرى تحيرنا أحيانًا، وهي "الدافع" motivation. في استخدامنا الغربي لهذه الكلمة عادة ما تشير إلى الانفعال وراء شيء ما. نقول: إننا نكون محفَّزين أو مدفوعين بالغضب أو الحب، ومع هذا، فعندما نسمع كلمة "الدافع" في سياق بوذي نجدها ترجمة لكلمة لا تعني الدافع بالمعنى الغربي. والقصد أو الهدف هو المظهر الأساسي للدافع من وجهة النظر البوذية، والانفعال الذي يدعم هذا الهدف هو شيء ثانوي. ومن المحتمل أن يكون من الأفضل ترجمة هذه الكلمة "الدافع" بـ"الإطار العقلي المحفز".

على سبيل المثال، في بداية أيٍّ من التعاليم، عندما نسمع تلك المقولة: "أعد تأكيد دافعيتك". فهذا يعني أساسًا أن نعيد تأكيد الهدف، الذي يعني غرضنا من هذا: لماذا نحن هنا؟ إن الغرض هو أن نتعلم شيئًا ليساعدنا على السير في الاتجاه الآمن للملاذ، أو أن نبلغ التنوير لنكون قادرين على أن نفيد الآخرين بشكل أكبر. وهذا هو ما نعزِّزه أو نعيد التأكيد عليه.

والانفعال الذي سيصاحب هذا الهدف هو العطف والحب لجميع الكائنات، ولكن ليس هذا التأكيد الأساسي في تعزيز دوافعنا. وبالطبع نحتاج أيضًا إلى إعادة تأكيد حبنا وعطفنا، اللذين هما – من وجهة النظر الغربية – الانفعال الذي يدفعنا، ويحثنا على ما نفعله، ولكن البوذية تشير إلى إطار عقليٍّ أكثر اتساعًا.

وخير معين في هذا أن نفرق بين كل العوامل العقلية التي ناقشناها؛ لأننا حينئذٍ نستطيع أن نُكيِّفهم عندما يكون هناك شيء غير ملائم مع أيٍّ منهم. وإذا لم نُميِّز بينهم فسوف يكون من الصعب أن نعرف كيف نصحح أو نُكيِّف حالتنا العقلية.

الكارما العقلية واللفظية والجسدية

إذن يكون لدينا دافع أو كارما، وعندما نتحدث عن الكارما العقلية، أو اللفظية، أو الجسمية، فإنها الدافع لفعل شيء ما، أو قول شيء ما، أو أن تعتقد شيئًا ما. وهذا الأخير هو عادة ما يجرنا إلى التفكير في شيء ما، لا في لحظة واحدة فقط، وإنما لنفكر في شيء ما فترة طويلة من الوقت، مثل التفكير في كيفية الانتقام من أحد ما، وتدبير المكائد له.

وعندما نتحدث عن التصرفات الجسمية واللفظية فهذه عادة ما تبدأ بالدوافع العقلية؛ أو الكارما العقلية. ويأتي الدافع لفعل شيء ما أولاً، مثل قولك: "أعتقد أنني سأذهب، وأُجْرِي مكالمة مع شخص ما". فهذا دافع عقلي، ولديه الانفعال الخاص به الذي يصاحبه، والهدف منه، وتمييزه الخاص للهدف، إلخ. وبعد ذلك تكون الكارما – اللفظية والجسدية – هي الدافع الذي نبدأ به لنفعل، والدافع الذي يأتي في كل لحظة لكي يعزز الفعل حتى ينتهي، وهذه هي الكارما بنوعيها: اللفظية والجسمية.

وبالطبع يمكن أن تتغير العوامل العقلية المصاحبة عما كانت عليه في الأصل. فعلى سبيل المثال: نعتقد أننا كنا على وشك أن نتحدث مع أصدقائنا، ولكن الابنة أخذت الهاتف، فظننا أن الصوت لوالدتها، ثم أخذت تتحدث. أو أن الانفعال كان الحب في الأصل، ولكن بعد ذلك، وفي منتصف المحادثة، أصبحنا غاضبين منهم. أو كانت لدينا النية أن نقول لهم شيئًا لطيفًا، أو أن نقول لهم شيئًا بشعًا، وبينما كنا نتكلم أصبحنا مشوشي الذهن، ونسينا هذا الشيء. كل هذه الأشياء هي كميات متغيرة، وما الكارما إلا الدافع على الفعل فقط، مثل الدافع للحديث. وبالطبع لا يحدث الدافع بنفسه منفردًا – بل إنه يحدث مع كل هذه العوامل معًا – ولكن ليس أيٌّ من هذه العوامل هو الفعل في حد ذاته، فالدافع في حد ذاته إنما هو شيء آخر.

والدافع في حد ذاته هو ما أطلق أنا عليه: "القوة الكارمية الإيجابية"، أو "القوة الكارمية السلبية"، والتي عادةً ما تترجم بـ" الجدارة أو الاستحقاق "، أو "الخطيئة". وهي تشير إلى الفعل نفسه، والذي يعمل بوصفه قوةً كارمية. وعندما تنتهي هذه القوة توجد آثارها الكارمية، التي تستمر مع ما يتغير في عقولنا باستمرار وهي الإمكانات الكارمية والميول والعادات الراسخة، وهلم جرًّا. وهي أشياء مجردة، ولن أدخل في مناقشة للأنواع المختلفة للنتائج لأنها معقدة جدًّا، ولكن عندما تنشطها العواطف المزعجة والمواقف فإن هذه النتائج الكارمية تصبح عواقب متنوعة في الخبرات التي نمر بها لحظة بلحظة.

نضج النتائج الكارمية

إلامَ تتحوَّل النتائج الكارمية؟

بادئ ذي بدء، هي تتحول إلى مشكلات حقيقية؛ شعور بالسعادة، أو التعاسة، أو الحيادية. قد نفعل الشيء نفسه اليوم وأمس، ولكن أمس شعرنا بالسعادة عندما فعلنا ذلك، واليوم نشعر بالحزن عندما نفعله، وهذا هو نضج الكارما، وسأستخدم "نضج الكارما" بطريقة حرة جدًّا هنا.

إن ما ينضج أيضًا إنما هو حاصل ولاداتنا الجديدة، والبيئة التي ولدنا فيها، والتي وجدنا فيها أنفسنا، وكذلك نوع الجسم الذي نمتلكه، والعقل الذي لدينا، وذكائنا أو نقص الذكاء لدينا، إلخ. وفي هذا الميلاد الجديد يكون الإحساس بلحظات مختلفة من السعادة والتعاسة.

ثم إن هناك إحساسًا في كل لحظة، مثل فعل شيء مماثل لما فعلناه من قبل. قد تقول: "أريد أن أُجرِي مكالمة مع أحد ما. أو أرغب في أن أصيح في وجهك. "ما الذي ترغب في فعله؟" أشعر بالرغبة في أن أحك رأسي." هذا هو نضج الكارما؛ ما نرغب في فعله. ومن الرغبة في فعل شيء ما يمكن أن يأتي الدافع لفعل هذا الشيء، والرغبة في فعل الشيء والدافع لفعله هما شيئان مختلفان.

وما ينضج أيضًا هو المرور بموقف مشابه لما مررنا به، والأشياء نفسها تحدث لنا مرة أخرى. إننا دائمًا ما نصرخ في الآخرين، والآن نجرب رؤية الناس وهي تصرخ في وجوهنا. أو دائمًا ما نعامل الناس بلطف، ونجرب معاملة الناس لنا بلطف.

تتقلب كل هذه الأشياء، كل واحد منها بدرجة مختلفة، وهذا يعني أن الأشياء المختلفة تنضج في لحظات مختلفة، وتمتزج معًا بطرق مختلفة، ولا نعرف أبدًا ما الذي سيأتي بعد ذلك. نحن لا نعرف إذا ما كنا سنشعر بالسعادة، أو بالتعاسة، في اللحظة القادمة، ولا نعرف ما الذي سنريد أن نفعله بعد خمس دقائق من الآن، فهو شيء متغير طوال الوقت.

يتصل بي الناس هاتفيًّا، ويريدون أن يبيعوا لي شيئًا ما، أو ...، من يدري ما الذي سيحدث؟ أحيانًا تكون هذه الأشياء لطيفة، وأحيانًا أخرى تكون مكدرة جدًّا. فهي تتقلب طوال الوقت، ولا يكون لدينا أدنى فكرة عما سيحدث بعد ذلك، وهذا هو عدم اليقين (الشك)، إنه شيء فظيع، أليس كذلك ؟ ليس هذا فقط، ولكن على مستوى أكثر بدائية ستتقلب حالات ميلادنا الجديد أيضًا.

من وجهة نظر الماهايانا هناك شيء آخر ينضج من الكارما: في كل لحظة مفردة ننتج باستمرار، ونمر بما أطلق عليه: "إدراك البيرسكوب"، أو "إدراك المنظار"، ويمكننا أن نرى قدرًا قليلاً مما يحدث وأسبابه، وهذا هو أيضًا نتيجة للكارما. فنحن ليس لدينا أدنى فكرة عن سبب حدوث الأشياء لنا، أو ماذا ستكون نتائج أفعالنا، لذا يكون لدينا هذه الرؤية الضيقة القاصرة، وهذا هو أيضًا نتيجة للكارما؛ فهي تجعلنا كائنات قاصرة بعقول قاصرة محدودة، نقيضًا للبوذات أصحاب العلم الشمولي الكلي.

كل من هذا النضج للكارما هو الحقيقة النبيلة الأولى: المشكلات الحقيقية. وأعتقد أننا يمكننا أن نحصل على شيء أكثر قليلاً من التقدير الآن لما قَصَده بوذا بأُولى حقائق الحياة، ألا وهي المشكلات الحقيقية، إنها نضج الكارما ونواتجها. والشيء الأكثر فظاعة هنا هو أننا نكون في قمة الحيرة (التشويش)، لدرجة أننا نتسبب في نضج الكارما، ونتسبب في ظهور الكثير من الدوافع لتجدد هذه الدائرة، وهذا ما وصفته الروابط الاثنتا عشرة للنشوء التابع (المعتمد على عوامل أخرى).

من المهم أن نتذكر أن مناقشة الكارما تتضمن الدوافع التي تؤدي إلى السلوك الهدام، وكذلك التي تؤدي أيضًا إلى السلوك البناء الممزوج بالحيرة والتشويش، والسلوك غير المعين الممزوج بالحيرة والتشويش. ويكون السلوك البناء الممزوج بالتشويش مثل قولك: "أريد أن أساعدك؛ لأنني أريد منك أن تحبني، وأريدك أن تكون لطيفًا معي". أو: "أريد أن أساعدك؛ لكي أشعر أنك في حاجة إليَّ؛ لأن هذا يجعلني أشعر بأني شخص مهم ومفيد". أو أنه يمكن أن يكون الدافع لفعل شيء غير محدد لا يُقصَد به سلوك بناء، ولا سلوك هدام، مثل أن نعبث بأصابعنا باستمرار، أو النقر على الطاولة، أو تحريك أقدامنا ونحن جلوس، أو أي شيء من هذا القبيل. إنه ممزوج بالحيرة، إننا ساذجون؛ لأننا لا نفهم حقًّا أن هذا شيء يضايق الآخرين حقًّا، أو يجعلنا نبدو سخفاء.

تتحدث الكارما عن كل هذه الأنواع من السلوك، والدوافع التي تسببها.

القوانين العامة الأربعة للكارما

هناك أربعة قوانين عامة للكارما:

  • القانون الأول: هو اليقين بالنتائج: وهذا معبر عنه بطريقة مميزة جدًّا. فإذا كنا نمر بالتعاسة فمن اليقيني أن هذا نتيجة لسلوكنا الهدام في الماضي، ولا نقول إننا إذا اقترفنا أفعالاً هدامة فمن المؤكد أنها سينتج عنها التعاسة، لماذا؟ لأننا يمكن أن نتطهر من الكارما السلبية. ولو صيغ هذا القانون بهذه الطريقة الثانية لاتَّضح لنا أنه من المستحيل أن نتطهر من الكارما، فإذا كنا نمر بالتعاسة حقًّا فإنه يمكننا أن نكون متأكدين من أنها تنشأ من سلوك هدام، وإذا كنا نمر بالسعادة نكون متأكدين من أنها نتجت عن سلوك بناء. ومن المهم جدًّا أن نفهم هذه العلاقة بين السلوك والشعور بمستوى من السعادة أو التعاسة، ولا نقول: إنك إذا تصرفت بطريقة هدامة فإن هذا ينتج عنه التعاسة.
  • ولننظر في المتغيرات العديدة لهذه العلاقة بين الأحاسيس والأفعال، ونحن لا نتحدث هنا عن السعادة والتعاسة التي تسببها تصرفاتنا أو أفعالنا للآخرين، فليس هناك يقين بشأن هذا. فمثلاً: أعطيتُ حاسوبي لأحد المحال لكي يصلحه، ثم إنه سُرِق من المحل، فكنتُ سعيدًا جدًّا؛ لأن هذا الحاسوب كان دائمًا ما يتعطل، والآن يمكني أن أحصل على تعويض مالي من التأمينات، وأشتري حاسوبًا جديدًا، فلم تسبب لي حادثة السرقة الحزنَ أو التعاسة. هذا القانون يتحدث عن خبرة السعادة أو الحزن للشخص الذي يقترف الفعل.

وما نشعر به عند فعل شيء ما ليس بالتأكيد مرتبطا بالفعل نفسه، فنحن نستطيع أن نحجم عن اقتراف فعل جنسي غير مناسب، مثل مضاجعة شريك شخص آخر، ولكننا بفعلنا هذا نشعر بالحزن. وكذلك فليس من المؤكد أيضًا ما سنشعر به في الحال بعد هذا الفعل أيضًا: "كنت أساعد أحدًا ما، ثم غادر ذاهبًا إلى البيت، وأصبحتُ مكتئبًا جدًّا." وكما قلنا ليس من المؤكد إن كانت هذه الأحاسيس سوف تنضج فيما بعد؛ لأننا يمكن أن نطهر أنفسنا من العواقب الكارمية لأفعالنا. والشيء الوحيد الأكيد هو أننا إذا كنا نمر بهذه الأحاسيس – بصرف النظر عن وقت حدوثها – فإنها تكون نتيجة لبعض الأفعال الهدامة أو البناءة السابقة، وإذا كنا نشعر بالحزن عند الإحجام عن ارتكاب الزنا فهذا ينتج من تصرف أو فعل هدَّام.

بعض الناس ربما يكونون في حيرة من هذا، ولذلك فعليَّ أن أعرَّف الفعل البناء. إنَّ مَنْع أنفسنا من القتل هو واحد من الأفعال العشرة البناءة، فأنا لا أفكر في الخروج وقتل الناس، ولكن كَوْني لا أقتل الناس ليس الفعل البناء للامتناع عن القتل، فالفعل البنَّاء مثلاً كما لو كانت هناك ناموسة تدور حول رأسي، وأريد أن أقتلها، ولكن حينئذ أفكر في عواقب قتلها، فلا أقتلها. عند هذه النقطة يكون مَنْع نفسي عن القتل هو الفعل البناء لعدم القتل.

وعندما نتحدث عن هذا النوع من السلوك البناء لمنع أنفسنا من الأفعال الهدامة فهذا شيء عملي جدًّا، وهو ليس كقولك: "حسنًا، أنا لا أقتل أبدًا، ولذا يجب عليَّ أن آخذ عهدًا على نفسي بألا أقتل." وليس هذا بالقوة الكافية. بالطبع دائمًا ما يكون أخذ العهد نافعًا، ولكن الفعل البناء الحقيقي إنما هو منع أنفسنا من التصرف الهدام، عندما نرغب فيه ونمنع أنفسنا؛ لأننا نفهم العواقب. وبالطبع، فهناك أيضًا الأفعال البناءة للمساعدة الفعلية لأحد ما، أو إعطاء شيء ما لشخص ما، وهذا نوع آخر.

  • القانون الثاني: ازدياد النتائج: فرُبَّ فِعْل صغير تتبعه نتائج كبيرة، فقد نقول شيئًا بشعًا لشريكنا، وكلما تركنا هذا الشيء دون محاولة لحل المشكلة ازداد الاستياء، وهذا شيء نعرفه جميعًا من خبراتنا الفردية.
  • القانون الثالث: هو وجوب ارتكاب الفعل لكي نجرب نتائجه: فقد يموت الكثير من الناس في تحطم طائرة، ولكن يبقى القليل على قيد الحياة، لماذا ؟ إنهم لم يقترفوا السبب للموت في هذا التحطم، لهذا لا يمرون بالنتائج. وإذا طهرنا أنفسنا حقًّا تمامًا من كل الكارما فلن يكون هناك ما نخشاه. حتى إذا ذهبنا إلى مكان خطير به لصوص فلن نمر بكوننا سرقنا؛ لأننا قد طهَّرنا أنفسنا من السبب الكارمي للسرقة، فمثلا لا يستطيع أي أحد أن يؤذي البوذا.
  • القانون الرابع: إذا ارتكبنا فعلاً فإن الأثر الكارمي على متصلاتنا العقلية (ما يتغير في عقولنا باستمرار) لن يذهب من تلقاء نفسه، ولن يصبح قديمًا لدرجة أنه لا ينضج. وأخيرًا، عند حد معين، وإذا لم نطهرها فسوف تنضج، وقد يستغرق هذا مليون سنة، ولكنها سوف تنضج إذا لم ننقِّيها.

هذه هي القوانين العامة الأربعة للكارما، وقد يعطي فعلٌ واحد العديد من النتائج في أعمار مختلفة. والمثال المستخدم في النصوص هو شخص يُدعَى بوديساتفا، وقد تكررت ولادته على صورة قرد خمس مئة مرة. وإذا ما كنا نستطيع أن نتعلق بهذا المثال أو لا فهذا شيء لا علاقة له بالموضوع، فخلاصة الأمر أنه لا يوجد شيء تتوالى نتائجه الواحدة تلو الأخرى بشكل طولي، فقد يكون لفعل واحد العديد من النتائج عبر أعمار عديدة، والعديد من الأفعال مجتمعة معًا ربما تسبب نتيجة واحدة. وهذا المثال يكون نافعًا إذا جعلَنا نفكر أكثر من مرة في تسميتنا لرجال الشرطة "خنازير".

العوامل الأربعة التي تحتاجها النتائج الكارمية لكي تكون في قمتها

نحن نتحدث عن الفعل الكارمي والعوامل الأربعة الكاملة، التي نحتاجها لتكون النتائج في أكمل صورها، فإذا كان هناك أحد هذه العوامل مفقودًا فلن تكون النتيجة قوية جدًّا. ولكن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك أية نتائج.

  • العامل الأول: ويأتي الأساس في المقام الأول، فيجب أن يكون هناك أساس (كائن، أو شيء ) يوجه له الفعل. اعتقدنا أن شخصًا ما كان في الحمَّام وقتًا طويلاً، وبدأنا في الصراخ في وجهه، ولكن بعد ذلك تبين أنه لم يكن هناك أحد في الحمام. وهذا ليس بالقوة نفسها في حال إذا كان هناك أحد في الحمام بالفعل، وكان يجب أن يكون هناك أحد ما يسمع صياحنا، ويفهمه، ويصدق أننا نعنيه. فإذا كان هذا الشخص أصمَّ، أو بجواره مذياع يعمل، ولم يستطع أن يفهمنا، فليس هذا بالقوة الكافية.
  • العامل الثاني: الذي يحتاج إلى أن يكون كاملاً إنما هو هيكلية الدافع – مزيج من ثلاثة مكونات. لهذا يكون هناك حاجة لأن يكون هناك مكونات مصاحبة له، وهي:
  • المكون الأول: يجب أن يكون هناك تمييزًا غير قابل للخطأ للمحَّل. فعلى سبيل المثال: اعتقدتُ أن المظلَّة التي أخذتها كانت مظلتي، ولكنني كنتُ مخطئًا؛ فقد أخذت مظلة بطريق الخطأ. فإذا كنا نفعل هذا عن طريق الخطأ فسوف يكون له نتيجة أخف حدة من اختيار أفضل مظلة وأخذها. لكن، وعلى الرغم من أننا أخذناها عن طريق الخطأ، فلا يزال هذا فعلاً هدَّامًا، ولكنه ليس عملاً هدَّامًا قويًّا جدًّا.
  • المكون الثاني: المكون الثاني المصاحب هو النية وراء الدافع. فإذا لم تكن هناك نية فهذا يشبه رَقْصَنا مع شخصٍ ما، ثم وطئنا قدمه ولم نقصد، ولكننا فعلنا ذلك. وهذا يكون أخف وطأة بكثير مما لو فعلنا هذا عن قَصْد.
  • المكون الثالث: ثم المُكوِّن الثالث وهو أنه يجب أن تكون هناك مشاعر مزعجة دافعة إذا كنا نتحدث عن فعل هدَّام، فإذا قتلنا ناموسة تطير حول رأس طفلنا، وهذا لأننا لا نكره الناموس، ولكننا نحب طفلنا، ونريد أن نحميه، فهذا يختلف كثيرًا عن قتل الناموسة لأننا نكرهها. كان هذا كله العامل الثاني؛ ألا وهو الدافع.
  • العامل الثالث: تطبيق الأداة التي تتسبب في حدوث الفعل – علينا حقًا القيام بشيء ما حتى يحدث الفعل. فإذا كنت أخطط لأن أصرخ في وجهك، ولكن أتى حينها شخصٌ ما على الباب، أو رن جرس الهاتف، فتوقفت عن صراخي، وهذا ليس بثقل الفعل نفسه في الواقع. وإذا حلمتُ بقتلك فقط فأنا لا أفعل هذا في الواقع في الحياة الحقيقية. وعلى الرغم من أن فعل القتل في الحلم هدام، ويمكن أن يكون مصحوبًا بالكثير من الغضب، وهلم جرًّا. ويمكن أن نقتل الشخص عن قصد في الحلم، وليس لهذا الثقل نفسه لقتل شخص حقيقي في الواقع؛ لأنه ليس هناك فعل متضمن.
  • العامل الرابع:  الوصول للنهاي: إذا أطلقنا النار على شخص ما ننوي قتله، ونخطئه، ونصوب على الذراع فقط، فإن فعلنا لا يصل إلى الخاتمة المقصودة، لذا لا يكون بالثقل نفسه. وإذا كنا نقصد حقًّا إيذاء شخص ما بما قلناه، ولم يسبب هذا أي أذى له على الإطلاق؛ لأنه لا يصدقنا، أو لأي سبب كان، فلا يكون لهذا الثقل نفسه لإيذاء هذا الشخص بالفعل. والشيء نفسه عندما نكذب، ولا يصدقنا أحد. ونستطيع أن نرى أن النتائج معقدة في الحقيقة إلى حدٍّ ما؛ حيث إن هناك العديد من العوامل المتضمنة.

أحد المشاركين: هل يكون هذا الشيء نفسه بالنسبة للأفعال الإيجابية؟

الجواب: نعم، فلو قصدتُ مثلاً أن أساعدك، ولكنني ساعدتُ أحدًا آخر بدلاً منك، فأنا لم أقصد أن أساعده في الحقيقة، ولكن ما فعلته ساعده على أي حال. أو فعلت شيئًا ما لمساعدتك، ولكنه لم يساعدك على الإطلاق. وهذا يحدث في الغالب، فنُعدُّ وجبة لذيذة لأحد ما لكي نرضيه، ولكنه يصاب منها بأذى، ويذهب إلى المستشفى. أو أنه يكره هذه الوجبة، فهي كريهة الطعم لهم. كل هذه الأشياء موجودة مع الأفعال البناءة أيضًا.

الكارما المكملة والقاذفة

هناك تقسيم آخر الكارما يطلق عليه "الكارما المكملة والقاذفة":

الكارما القاذفة: وهي الدافع الذي سيرمي بنا إلى الحياة المستقبلية، ولكي نكون أكثر تحديدًا فهي الدافع لفعل شيء قوي جدًّا، لدرجة أن آثاره الكارمية يمكن أن ترمي بنا إلى الحياة المستقبلة، وهو يستطيع أن يشكل نوع الميلاد الجديد الذي نتخذه، على سبيل المثال: ككلب أو كإنسان. وهذا عندما يكون الدافع مصحوبًا بنِيَّة قوية وانفعال مصاحب قوي جدًّا. إذا عملنا طبقًا لهذا الدافع، ووصل إلى نهايته المقصودة، يمكنه أن يشكل نوع الميلاد الجديد الذي نتخذه، ويسمى هذا "الكارما القاذفة".

الكارما المكملة: وهي توجد عندما لا تكون النية أو الدافع والانفعال المصاحب قويين جدًّا، وسوف يسبب هذا الظروفَ التي تكمل الميلاد الجديد بهذه الحالة المعينة للميلاد الجديد، فمثلاً سواء أكنا كلبًا أجربَ ضالاًّ في شوارع الهند، أم كنا كلبًا "بودل" في بيت أحد الأغنياء في الغرب، فهناك أربعة احتمالات:

  • يمكن أن يكون هناك رمي إيجابي.
  • أو إتمام سلبي.
  • أو رمي سلبي.
  • أو إتمام سلبي.

بداءة الكارما ومقوي الكارما

ثُّم هناك تقسيم آخر، وهو حقًا مثير للاهتمام، وهو "بداءة الكارما" و"مقوي الكارما".

  • تُشير "بداءة الكارما" إلى أي إلحاح كارما الحديث أو الجسد والذي يؤدي إلى القيام بالفعل اللفظي أو الجسدي، سواء تم التفكير في الفعل قبل القيام به أم لا.
  • يُشير "مقوي الكارما" إلى أي إلحاح للكارما يعمل على تقوية إمكانات وميول الكارما، ويتركهم في استمراريتنا الذهنية، بمعنى إنه يُزيد من قوتها. هذه هي إلحاحات الكارما التي تتولد من التفكير المسبق في القيام بفعل معين أو عدم القيام به ثم اتخاذ قرار بالقيام به.

من هذا التمييز يمكننا أن نرى أن هناك أربعة احتمالات. فعلى سبيل المثال: خططتُ أن أساعدك، أو أؤذيك، ولكنني لم أفعل ذلك في الواقع، ولم أخطط لمساعدتك، ولكني ساعدتك، خططتُ لأن أفعل وفعلتُ، أو أنني لم أخطط، ولم أفعل.

إن العبرة وحدها تكون بالأفعال التي خططنا لها، وفعلناها في الواقع، وبهذا فقط يكون هناك يقين بالمرور بالنتائج. والآن، في أغلب الأحيان يسيء الناس فهم هذا التصنيف، ويعتقدون أن هناك بعض الأفعال التي لا يكون من المؤكد له نتائج، والبعض الآخر من المؤكد أن يكون له نتائج. وليس هذا هو الفرق المشار إليه هنا، على الرغم من أنها الحال التي إذا طهَّرنا متصلاتنا العقلية (ما يتغير في عقولنا وشخصياتنا باستمرار، وبدون مراحل فاصلة) من آثار الكارما من الأفعال الهدامة، فلسنا في حاجة إلى المرور بالنتائج الخاصة بها.

ولكن، عندما نتحدث عن يقين النتائج في السياق هنا فإننا نتحدث بصورة رئيسة عن اليقين بشأن موعد نضجهم، وقد تنضج هذه النتائج في أي وقت؛ في هذه الحياة، أو في الحياة التالية، أو في أي حياة بعد ذلك. وإذا لم نؤمن بالحياة في المستقبل – مثلما لا يؤمن بها الكثير من أهل الغرب – فمن المهم جدًّا أن نعرف ما الأفعال التي ستنضج في فترة الحياة هذه، علمًا بأن هذه الأفعال يجب أن يكون قد خُطِّط لها، وتمت بالفعل.

الأفعال الكارمية، والنتائج التي ستنضج عنها في هذه الحياة

بصفة عامة هناك أربعة أنواع من الأفعال الكارمية، سواء الهدامة أم البناءة، التي تسبب النتائج التي ستبدأ في النضج في هذه الحياة، وقد يستمر نضجها – مع ذلك – في الحيوات المستقبلية أيضًا.

  • الزوج الأول: هو الأفعال الهدامة التي سببها الارتباط الشديد بأجسادنا وممتلكاتنا، أو الحياة. والأفعال البناءة التي تأتي من الاستخفاف الشديد بأي من هؤلاء الثلاثة. على سبيل المثال: أنا متعلق جدًّا بسيارتي، وارتطمتَ أنت بها، لهذا أذهب إلى سيارتك، ومعي مضرب كرة البيسبول، وأحطمها. أو أكون متعلقا جدًّا بصحتي، وأحب ألاَّ أمرض، حتى إني أرفض أن أعالج أي مريض بمرض مُعْدٍ. وعلى الجانب الآخر، ربما أكون منفصلاً جدًّا عن جسدي، حتى إني أندفع إلى منزل محترق؛ لكي أنقذ طفلاً عالقًا هناك بداخله.
  • الزوج الثاني: هو الأفعال الهدامة التي تؤدي إليها الأفكار المتطرفة للحقد تجاه أي شخص، مثل تعذيب مسجون من الأعداء ،أو فعل بنَّاء تؤدي إليه الأفكار الشديدة للإيثار والحب، مثل معالجة جندي مصاب من جنود العدو.
  • الزوج الثالث: هو الأفعال الهدامة التي تسببها الرغبة القوية الشديدة في إحداث الضرر لبوذ،ا أو دارما، أو سانغا، أو المعلمين الروحانيين، أو غيرهم. مثل تدمير أحد الأديرة، وإعدام الرهبان. ويتضمن أيضًا الأفعال البناءة التي تنتج عن الإيمان الواثق الشديد في الصفات الجيدة للجواهر الثلاث والمعلمين الروحيين، مثل بناء الستوبا (الأبراج أو المعابد البوذية) أو التبرعات لنشر الدارما، أو لبناء مركز بوذي.
  • الزوج الرابع: هو الأفعال الهدامة القائمة على نقص الامتنان والاحترام الكامل، الذي يُوجَّه إلى شخص ما قدَّم لنا مساعدات كبيرة، مثل آبائنا أو مُعلِّمينا. أو الأفعال البناءة الموجهة إليهم، القائمة على الرغبة في مكافأتهم على طيبتهم. فعلى سبيل المثال: عدم رعاية آبائنا عندما يكبرون ويمرضون، أو عدم معاونة معلمينا الروحيين في مشروعاتهم. ولكن تذكر أنه يجب علينا أن نفكر حقًّا في الانهماك في هذه الأفعال، وألاَّ نفعلها تلقائيًّا فقط، أو أن نكون مُجبَرين عليها.

العوامل المؤثرة على قوة نضوج الكارما

يمكن للآثار الكارمية لأفعالنا أن تتحوَّل إلى شيء قوي، أو ثقيل، أو إلى شيء خفيف تافه. لهذا يكون آخر شيء أود أن أناقشه هو بعض العوامل المختلفة، التي تؤثر على قوة النتائج التي تنضج، سواء من الكارما الإيجابية، أو الكارما السلبية، والقائمة طويلة إلى حد ما.

  • العامل الأول: هو طبيعة الفعل، أو الظاهرة المتضمنة. وهذا طبقًا للمعاناة أو السعادة التي تسببها للشخص الآخر بصفة عامة. فقَتْل إنسان ما أشد ثقلاً من سرقة سيارته، وإنقاذ حياة آخر أقوى من إعطائه بعض المال.
  • العامل الثاني: هو قوة الانفعال – مزعجًا كان أو إيجابيًّا – الذي يصحب الدافع. فإيذاء أحد ما بكراهية شديدة هو أقوى بكثير من إيذائه بقدر قليل من الغضب. وحتى لا نطيل فسأضرب أمثلة لباقي القائمة، ومعظم هذه الأمثلة للأفعال الهدامة، ولكن يمكنك استنتاج أمثلة من الأعمال البناءة أيضًا.
  • العامل الثالث: هو الدافع القهري المزيف، بمعنى آخر: سواء أكان هذا موقفًا مزيفا مضادًا يصاحب الفعل أم لا، ونعتقد أنه ما من مشكلة في فِعله، ومن الجيد فعله. فعلى سبيل المثال: نذهب إلى الحرب لنقتل الجميع ممن ينتمون إلى جماعة عِرْقية معينة، ونعتقد أن هذا هو قمة الصواب، ومن يعتقد أن هذا خطأ فهو أحمق. وهذا موقف محرف مضاد، أو يكون من الصواب تمامًا أن نقتل الحيوانات؛ لأنها خُلِقت لكي نستفيد منها. فإذا كان هذا النوع من المواقف موجودًا فهو موقف ثقيل.
  • العامل الرابع: هو الفعل الواقعي. وهذا طبقًا لقدر المعاناة المسببة للضحية عندما يقع عليها الفعل، فاقتلاع أجنحة ذبابة أشد ثقلاً من مجرد تحطيمها بمضرب الحشرات.
  • العامل الخامس: هو الأساس الذي يهدف إليه الفعل، ويتنوع هذا طبقًا لقدر المنفعة التي تلقيناها نحن أو الآخرين من هذا الكائن في الماضي، أو التي سنتلقاها في الوقت الحاضر، أو في المستقبل. وطبقًا للصفات الجيدة للكائن فهذه الصفات الجيدة تتضمن الهدف الذي حققه الكائن، أو الذي نرمي إليه. فعلى سبيل المثال: قَتْلُ راهب أو راهبة أشد وطأة من قتل شخصٍ عادي علماني بسبب هدفه أو صفاته. أو إن اغتيال مهاتما غاندي أشد وطأة من إعدام مجرم أو قتل دجاجة.
  • العامل السادس: هو المكانة أو الإنجازات التي حققها الكائن، التي وُجِّه الفعل إليها. ويكون الأمر أشد وطأة إذا كانت الضحية أحدًا قد أنهى حالاً رياضة روحية. إذا آذينا أحدًا مريضًا مقابل شخص صحيح فهذا أشد وطأة.
  • العامل السابع: هو مستوى الاعتبار؛ أو مقدار الاحترام الذي نكنه لهذا الكائن. فإيذاؤنا شخصًا نحترمه يختلف عن إيذائنا شخصًا لا نعرفه. فأنا أُكنُّ الكثير من الاحترام لمعلمي الروحي؛ لهذا فإن الكذب عليه يكون أشد وطأة من الكذب على أحد الغرباء الذين لا أكنُّ لهم أي احترام بصفة خاصة.
  • العامل الثامن: الحالة الداعمة. فعندما نكون قد قطعنا عهدًا بألاَّ نأخذ حياة كائن آخر يكون الأمر أشد وطأة مما لو لم نأخذ هذا العهد على أنفسنا.
  • العامل التاسع: هو التكرار أو العادة. إذا ما قمنا بفعل معين عدة مرات في الماضي، يكون هذا أشد وطأة. إذا كنا نقوم بالصيد طوال حياتنا، فهذا أشد وطأة من مجرد إطلاق النار على أحد الظباء مرة واحدة فقط.
  • العامل العاشر: عدد الناس الذين يشملهم هذا الفعل. فإذا كنا جزءًا من عصابة كاملة توسع أحدًا ما ضربًا، فسوف يكون هذا الأمر أشد وطأة من مجرد فعل هذا بأنفسنا. وعلى النقيض، فممارسة البوجا مع مجموعة كبيرة من الناس يكون عملاً أشد إيجابية من مجرد فعله بأنفسنا في غرفتنا، ولهذا السبب يحب أهل التبتيّون ممارسة البوجا في مجموعات كبيرة.
  • العامل الحادي عشر: المتابعة: سواء أكنا سنكرر الفعل في المستقبل أم لا.
  • العامل الثاني عشر: هو وجود أو غياب القوى المضادة. وبمعنى آخر: إذا كنا نفعل شيئًا هدَّامًا، سواء كنا نوازنه مع الكثير من الأشياء البناءة أم لا، أو إذا كنا قد فعلنا شيئًا بناءً في الماضي، سواء أكان هذا الفعل موازنًا بالكثير من الأشياء الهدامة أم لا.

بالرغم من أن هذا يبدو قائمةً طويلة جدًّا، وربما يكون من الممل أن نسير خلالها، فهي مع ذلك تُبيِّن بعض النقاط التي هي خير مُعِين، إذا كنا في حاجة إلى اقتراف شيء سلبي أو إيجابي، ونرغب في معرفة كيفية جعل هذا الشيء أقل أو أشد وطأة على التوالي. وإذا كان يجب أن نفعل شيئًا هدامًا، مثل رش بيوتنا بالمبيدات لقتل الصراصير، أو ما شابه، فإنه يمكننا أن نحاول فعل هذا بلا كراهية، ولا نفعله مرارًا وتكرارًا، ولا ندعو كل أصدقائنا ليأتوا، ونقيم حفلاً لقتل الصراصير، ونعتقد أن هذا متعة كبيرة. وعلى النقيض من هذا، إذا كنا نفعل شيئًا بناءً فمن الجيد أن ندعو أصدقاءنا لكي ينضموا إلينا، وأن يفعلوا هذا بإحساس إيجابي قوي، وأن نفعل هذا مرارًا وتكرارًا، مثل ممارسة البوجا في المنزل.

إذن تعطينا هذه العوامل توضيحًا لكيفية التأثير في نتائج أفعالنا؛ حتى عندما نتصرف بطريقة قهرية وبتشويش وحيرة. إذا كنا سنساعد الآخرين يمكننا أن نبدأ بمساعدة هؤلاء الذين كانوا أفضل الناس معاملة لنا، مثل آبائنا. وإذا كان علينا أن نؤذي، أو نحبط أحدًا ما، كأن لا يكون لدينا وقت للاتصال بجميع من نريد أن نتصل بهم، فلا نخيب أمل أحد كان حسن المعاملة معنا، مثل آبائنا. وهذه ليست مجرد قائمة، ولكنه شيء علينا أن نعمل به في حياتنا اليومية في أفعالنا مع الآخرين.

غياب أو وجود القوى المضادة

آخر النقاط في هذه القائمة: غياب أو وجود القوى المضادة، وهي مهمة بصفة خاصة، وهذا حيثما كنا في بداية مناقشة تطهير الكارما، التي لن أتطرق إلى تفاصيلها هذا المساء، ولكن اسمحوا لي أن أذكر بعض النقاط المهمة.

  • العامل الأول: يكون الفعل الهدام ثقيلاً جدًّا إذا لم نعتبره خطأ، وسوف يكون له عواقب سلبية، وكذلك ما يعارض هذا الاعتراف صراحة بأنه كان خطأً، وكان من غير اللائق فعله. حتى إذا لم نعتقد أنه لم يكن هناك أي خطأ عندما فعلناه، إذا اعترفنا بأنه كان خطأ بعدما سنبدأ في تطهير العواقب، وعلى الأقل نجعلها أخف وطأة.
  • العامل الثاني: يكون الفعل الهدام ثقيلاً جدًّا إذا كان ببهجة وسرور، وألاَّ نندم عليه، ونبتهج بفعله. وبمعارضة هذا يكون هناك الندم.
  • العامل الثالث: هو إذا لم يكن لدينا الرغبة أو النية لوقف تكرار هذا الفعل، مثل تفكيرنا هذا: "سأستمر في عزف الموسيقى الخاصة بي بصوت مرتفع طوال الليل، ولست أبالي إن كان هذا سيوقظ جيراني أم لا." والنقيض لهذا هو التفكير: "سأحاول ألاَّ أكرر هذا الفعل."
  • العامل الرابع: هو عدم التفكير في إصلاح الضرر، ويناقض هذا تطبيق الأفعال البناءة المضادة.

هذه هي كيفية الحصول على القوى الأربع المضادة، التي من المهم جدًّا أن نطبقها في تأمل الفاجراساتفا، أو أي نوع من التطهير، ويوصى بكل واحدة منها لغرض معين محدد.

ونحن بحاجة إلى أن نضيف إلى هذه النقطة – غياب أو وجود القوى المعارضة – بندًا إضافيًّا، فهناك شيء آخر يجعل الفعل ثقيلاً، وهو أننا عندما نفعل شيئًا بلا إحساس بالكرامة الذاتية الأخلاقية، أو الاهتمام بالكيفية، التي تنعكس بها أفعالنا على الآخرين. نحن لا نكترث بشرفنا الشخصي، ولا يهمنا ما يعتقده الناس بشأن عائلاتنا، ومعلمينا، وأبناء جلدتنا، إلى آخره. وما يناقض هذا إنما يكون إحساسًا بالكرامة الذاتية، والاهتمام بالكيفية التي تنعكس بها أفعالنا على الآخرين، وإعادة التأكيد على الاتجاه الآمن والبوديتشيتا، قائلاً: "إنني أفعل شيئًا إيجابيًّا في حياتي". ومثال هذا أن يذهب ألماني إلى مكان ما، ويكون عالي الصوت جدًّا، ويصدر شتى أنواع الإزعاج، ولا يأبه بما يعتقده الناس عن الألمان بسبب هذا.

أعتقد أننا سنتوقف عند هذا الحد لهذا المساء، وإذا كان لدى أي منكم أي أسئلة فليتفضل بطرحها.

الأسئلة

سؤال من أحد المشاركين: قلتَ إنه لا يستطيع أي أحد أن يؤذي البوذا، ولكن قُدِّم الطعام الفاسد لبوذا، والذي تسبب في موته جرَّاء تسمم غذائي، و قد صُلِب المسيح، فكيف حدث هذا؟ أيضًا سمعت عن أمة أو مجتمع يقتل بوذا، وتسبب في شيء سيئ جدًّا، حتى إن هذا المجتمع يُدمَّر فيما بعد.

الجواب: حسنًا، بادئ ذي بدء هناك العديد من التفاسير للأحداث في حياة البوذا في البوذية، ولكن إذا ما نظرنا في تفسير الماهيانا، إذن عندما قُدِّم الطعام الفاسد لبوذا، ومات بسببه، فقد سمح لهذا بأن يحدث. ولم يحدث هذا خارج سيطرته، مثل نضوج بعض الكارما السلبية، فقد سمح البوذا لهذا أن يحدث؛ لكي يعلم أتباعه الزوال، وأن كل شيء مرده إلى الفناء.

أيضًا، وطبقًا لكارما قتل البوذا، هناك تمييز بين تلك التي سيمر بها فرد واحد، والكارما التي يمر بها الجميع. ويعتمد هذا على كَوْن هذه الأفعال قد صدرت من فرد واحد، أو مجموعة من الناس، أو الجميع. والمثال الذي دائمًا ما يُعطَى هو البوداغايا. لقد دُمِّرت الإسطبة الكبيرة للبوذا هناك عدة مرات، لهذا فإن الفعل الكارمي لم يكن في الواقع قتل البوذا، بل كان هدم ما يُمثِّل البوذا. ونتيجةً كارمية لهذا فإن بودغايا تقع في أفقر جزء من الهند، ويملؤها المتسولون والمجذومون المشوهون والناموس. وهذا هو سبب تجمع كل المتسولين المشوهين في هذه المنطقة، بسبب هذا الفعل الجماعي. كان هناك الكثير من الناس الذين تورطوا في تدمير المعبد، ولهذا مر الكثير من الكائنات بنتيجة هذا الفعل معًا، وكذلك هؤلاء المتسولون والمصابون بالجذام، وغيرهم.

سؤال: مع مرض الحمى القلاعية الوبائي الموجود الآن، فقد قرَّرت السلطات أن تقتل كل الماشية، ولكوني عضوًا من المجتمع الذي يحدث فيه هذا، فسيكون عملية القتل هذه عملاً جماعيًّا، أليس كذلك؟ فهل سيكون علي أن أعاني النتائج الكارمية الجماعية لهذا الفعل الجماعي، أم لا؟ وكيف أتجنب هذا؟

أولاً وقبل كل شيء، تَذكَّر القانون الرابع للكارما: إذا لم نرتكب فعلاً فلا نمر بنتيجته. فإذا لم نقتل الحيوانات فلن نكون مشتركين في الفعل الكارمي، وكثير من الناس الذين فعلوا ذلك في الواقع هم المتورطون في الفعل الكارمي.

ومع هذا، فهناك نقطة فيما يتعلق بالابتهاج بما يفعله الآخرون، فإذا سرَّتنا الأفعال البناءة من الآخرين فإننا ننمي قوة كارمية إيجابية، ولهذا، فإذا كنا نحسب أن هذا القتل للماشية شيء رائع، فهذا شيء آخر. ولكن إذا كنا نعتقد أن هذا الشيء فظيع، وشعرنا بعطف كبير تجاههم، فهذه طريقة إيجابية للتفكير.

ومع ذلك فعلينا أن نحذر حتى لا يصاب هذا سذاجة، فهذه الحيوانات والماشية كانت ستقتل جميعها من أجل لحومها على أية حال، ولذا فالأمر كله ليس إلا مجرد الوقت الذي سيقتلون فيه. ومن السذاجة أن يكون لدينا العطف تجاه هذه الحيوانات لأنها تقتل بسبب هذا الوباء فقط، وألاَّ نهتم بقتلهم من أجل اللحوم. إن تفكيرنا في العطف هنا إنما هو فعل بنَّاء، ولكنه يكون مصحوبًا بانفعال مزعج من السذاجة، لذا فإننا دائمًا ما نكون في حاجة إلى أن نحلِّل بحرص كل أفكارنا وأفعالنا.

إهداء

وأخيرًا أختم بإهداء، فنحن نرى مدى أهمية فَهْم عوامل الكارما؛ لأنها – وعلى الرغم من تعقيدها – أكثر الأمور تعقيدًا في البوذية، ومع هذا فكلما فهمناها أكثر استطعنا أن نبدأ في التأثير في تشكيل سلوكنا، وفي ثقل عواقب هذا السلوك. كما في هذا المثال: نستطيع أن نربي العطف بصفة عامة تجاه الماشية، وليس بسبب مرضها فقط.

لعل القوة الإيجابية – أيًّا ما كانت، والتي نميت بهذا – تزداد قوة ونماءً، وعسى أن يصبح الفهم الذي قد اكتسبناه أيًّا كان أكثر عمقًا؛ لكي نستطيع تدريجيًّا أن نبدأ في إضعاف آثار الكارما الخاصة بنا، ونتغلب في النهاية على كل الكارما الخاصة بنا؛ لكي نكون خير مُعِين للجميع.

Top