نصيحة قبل البدء في المسار البوذي

تقوم البوذية بتعليم إجراءات وقائية عملية كي تُتخذ لتجنب صعوبات التعامل مع تحديات الحياة اليومية. تبحث عن مصدر مشاكلنا داخل أفكارنا المرتبكة ومواقفنا الداخلية غير الواقعية، والتي تشكل الدافع خلف اضطراباتنا الشعورية وسلوكنا القهري. بإمكاننا تحويل أذهاننا لتحسين جودة حياتنا اليومية، عبر التأمل الذي يقاوم طرقنا غير المُرضية في التفكير والتصرف، وبالإلهام الذي نحصل عليه من الآخرين الذين أصبحوا أكثر إيجابية وحبًا.

إذا أردنا فهم ماهية البوذية وكيفية تطبيقها في حياتنا اليومية، أفضل مكان نبدأ منه هو مدلول المصطلح التقليدي المُستخدم للإشارة للتعاليم والتدريبات البوذية: الدارما. الكلمة السنسكريتية "دارما" تعني حرفيًا "إجراء وقائي". هي ما نقوم به لتجنب المشاكل. إذا أمكننا فهم ذلك، سنستوعب القصد وراء كل شيء علمه بوذا.  

 حتى يكون لدينا الاهتمام باتخاذ تلك الإجراءات الوقائية، علينا أولًا أن نرى أن هناك مشاكل في الحياة. هذا أمر يستدعي الكثير من الشجاعة. العديد من الأشخاص لا يأخذون أنفسهم أو حياتهم على محمل الجد. يعملون بكد طوال النهار، ثُم في المساء يسعون لصرف انتباههم بالترفيه وما شابه لأنهم تعبون. أنهم لا يتفحصون فعليًا مشاكل حياتهم داخلهم، وإذا نظروا بالفعل على مشاكلهم، فهم لا يرغبون في الاعتراف بأن حياتهم غير مُرضية لأن ذلك سيكون محبِطاً للغاية. تلزمنا الشجاعة للتأكد بصدق من جودة حياتنا وإذا ما اقتضى الأمر للاعتراف حقاً عندما نجدها غير مرضية.

المواقف غير المُرضية وأسبابها

بالطبع، هناك عدة مستويات لعدم الرضى. قد نقول : " أحياناً، أكون سيء المزاج وأحياناً أخرى تجري الأمور على أفضل ما يرام. ولكن، حسناً، هذه هي الحياة". إذا كان ذلك يريحنا، فلا بأس، ولكن إذا كان لدينا أمل في تحسين الأمور ولو قليلاً، سيقودنا ذلك إلى البحث عن وسيلة تُمكِّننا من تحقيق ذلك. لكي نجد أدوات لتحسين نوعية حياتنا، علينا تحديد مصدر مشاكلنا. معظم الناس يبحثون عن مصدر مشاكلهم خارج أنفسهم. "أجد صعوبة في علاقتي معك وهذا بسببك أنت. أنت لا تتصرف بالطريقة التي أريدها". كذلك، قد نُلقي باللوم على الوضع السياسي أو الاقتصادي. طبقًا لبعض مدارس علم النفس والتي تنظر إلى الصدمات التي تعرضنا إليها في طفولتنا، على أنها السبب في مشاكلنا الحالية. من السهل إلقاء اللوم في تعاستنا على الآخرين، لكن إلقاء اللوم على الآخرين أو المجتمع أو العوامل الاقتصادية لا يقودنا إلى الحل الفعلي. إذا كان لدينا مثل هذا الإطار النظري، قد نكون متسامحين، مما قد يعود علينا ببعض الفائدة، ولكن معظم الأشخاص يرون أن القيام بهذا القدر فقط لا يريحهم من مشاكلهم النفسية وتعاستهم.

الآخرين والمجتمع يساهمون في مشاكلنا، لكنهم في الحقيقة لا يشكلون المصدر الأعمق لها. من أجل اكتشاف المصدر الأكثر عمقاً لصعوباتنا نحتاج لأن ننظر إلى داخلنا. تقول البوذية، أن الآخرين والمجتمع وغيرهم من عوامل قد يساهمون نوعاً ما في المشاكل التي نواجهها إلا أنهم لا يشكلون في الحقيقة المصدر الأعمق لها. من أجل اكتشاف المصدر الأكثر عمقاً لصعوباتنا، نحتاج لأن ننظر إلى داخلنا. بعد كل شيء، إذا شعرنا بالتعاسة في حياتنا، فهذه التعاسة هي استجابتنا للموقف الذي نحن فيه، فمختلف الأشخاص يقومون بردود أفعال متباينة لنفس الموقف. حتى إذا نظرنا لأنفسنا، سنجد أن ردود أفعالنا للصعوبات التي نمر بها تختلف من يوم لآخر. إذا كان الوضع الخارجي وحده مصدر مشاكلنا، لكانت ردة فعلنا واحدة في جميع الأوقات، لكن هذا لا يحدث. هناك عوامل تؤثر على ردة فعلنا تجاه المواقف مثل قضائنا يوماً جيداً في العمل، ولكنها ليست إلا عوامل تساهم بشكل سطحي. وليست عميقة بما يكفي.

فإذا نظرنا عن كثب، سنبدأ في رؤية أن مواقفنا الداخلية تجاه الحياة، أنفسنا، وتجاه المواقف التي نمر بها، تساهم بشكل كبير فيما نشعر به. مثالاً على ذلك، نحن لا نشعر بالرثاء تجاه أنفسنا طوال الوقت، مثلما نقضي يوماً جيداً، ولكن إذا كان يومنا سيئاً، نعود لنشعر بالرثاء على الذات. إن مواقفنا الداخلية الأساسية تجاه الحياة تُشكل الطريقة التي نختبرها بها. وإذا تفحصنا أكثر، سنجد أن مواقفنا الداخلية قائمة على ارتباكنا.

فيديو: رينغو تولكو – "المشكلة الكبرى التي تواجه المراهقين هذه الأيام"
لتشغيل الترجمة، رجاءً أضغط على علامة "CC" أو "الترجمة والشرح" بالركن السفلي على يمين شاشة عرض الفيديو. لتغير لغة الترجمة،  يُرجى  الضغط على علامة "Settings" أو "إعدادات"، ثم أضغط على علامة "Subtitles" أو "ترجمة"، واختار لغتك المفضل

الارتباك كمصدر للمشاكل

إذا قمنا بتفحُص الارتباك، سنجد أن احد جوانبه هو الارتباك بشأن قانون الأسباب والنتائج السلوكية. نحن مرتبكون بشأن ما يجب فعله أو قوله وما الذي سيحدث كنتيجة لذلك. من المُمكن أن نكون في غاية الارتباك لنوع الوظيفة التي يجب أن نتخذها، ما إذا كان علينا أن نتزوج، أو ننحب أطفال أم لا، إلخ. فإذا أقمنا علاقة مع أحد الأشخاص، ما الذي ستؤدي إليه هذه العلاقة؟ ليس لدينا أي فكرة. في الواقع، إن الأفكار التي قد تراودنا حول النتائج المحتملة لاختياراتنا ليست إلا محض أوهام، اعتمادًا على أفكار تتراوح ما بين التفكير الحالم أو الخوف والقلق. نحن نعتقد أننا إذا كنا في علاقة عميقة مع احد الأشخاص، سنعيش في سعادة دائمة تماماً مثل الحكايات الخيالية، أو قد نكون خائفين من أنهم سَيَهْجُرُونَنَا، ولذلك ننأى بأنفسنا شعوريًا عنهم. وإن غضبنا، نعتقد أن الصراخ سيقودنا إلى تسوية الأمور. لدينا فكرة مرتبكة للغاية حول ردة فعل الشخص الآخر عما نفعله ونعتقد أن الصراخ والتعبير عما يجول بخاطرنا، سيُشعرنا بالارتياح ويساعدنا على تحسين الأمور. لكن الأمور لا تتحسن. نحن نريد أن نعرف ما الذي سيحدث. نلجأ يَائِسِين إلى التنجيم أونُلقي مراراً وتكرارًا القطع النقدية في الهواء حسب تعاليم " كتاب التغييرات " (أي تشينغ). لِمَ نقوم بكل تلك الأمور؟ لأننا نريد التحكم فيما يحدث.

العديد من الأمور تؤثر على ما يجري ليس فقط ما نفعله. هذا لا يعني أنه لا يمكننا أبداً السيطرة على الأمور أو أننا نخضع بالكامل لقوى خارجية. نحن نساهم فيما يحدث ولكننا لسنا العامل الوحيد الذي يُقرر ما يحدث. وفقاً للبوذية، المستوى الأكثر عمقاً من الارتباك. هو الارتباك حول الكيفية التي نتواجد بها نحن والآخرون، وكيفية وجود العالم. نحن مرتبكون حول مسألة السيطرة في المُجمل. نحن نظن أنه بإمكاننا السيطرة بشكل تام على كل ما قد يحدث لنا. على سبيل المثال، قد نعتقد أننا إذا لم نسمح لأحد باستخدام الحاسب الآلي الخاص بنا، فلن يحدث له أي عُطب. لهذا، نَحْبِطُ بشدة إذا لم تجري الأمور بالطريقة التي نتوقعها. ليس من الممكن أن يظل كل شيئ تحت سيطرتنا بشكل دائم،  فهذا غير واقعي. إن الواقع معقد جداً. العديد من الأمور تؤثر على ما يجري ليس فقط ما نفعله. هذا لا يعني أنه لا يمكننا أبداً السيطرة على الأمور أو أننا نخضع بالكامل لقوى خارجية. نحن نساهم فيما يحدث ولكننا لسنا العامل الوحيد الذي يُقرر ما يحدث.

غالباً ما تدفعنا حالة الارتباك وعدم الأمان إلى التصرف بطريقة مدمرة من دون أن ندرك حتى أن تصرفنا هذا تصرف مدمر. هذا لأننا نكون تحت تأثير المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة، والباعث القهري الناجم عن عاداتنا. نحن لا نتصرف فقط بطريقة مُدمرة تجاه الآخرين، ولكننا بالأساس نتصرف بطرق مدمرة للذات. بمعنى آخر، نقوم بخلق مشاكل إضافية لأنفسنا. إذا كنا نرغب في تقليص مشاكلنا أو التحرر منها، أو حتى الأكثر من ذلك بأن يكون لدينا القدرة على مساعدة الآخرين للتخلص من مشاكلهم، فنحن بحاجة لمعرفة مصدر محدوديتنا.

تخليص أنفسنا من الارتباك

دعونا نقول أن باستطاعتنا إدراك أن الارتباك هو مصدر مشاكلنا. وهو أمر ليس بغاية الصعوبة. الكثير من الأشخاص يصلون إلى النقطة التي يقولون بها : "أنا في حالة ارتباك حقيقي. أنا في حالة فوضى داخلية". وماذا بعد؟ قبل أن نقرر تبذير أموالنا على هذه الدورة التدريبية أو على هذا المعتزل، لا بد من أن نتفحص بجدية إذا ما كنا مقتنعين بأنه من المُمكن التخلص من الارتباك. إذا كنا لا نعتقد بأن هذا مُمكنًا، فما الذي نحاول فعله؟ فإذا كنا سنذهب فقط على أمل أن يكون مُمكنًا أن نتخلص من ارتباكنا، فهذا شيء غير ثابت تمامًا، ويكون مجرد تمني.

ربما نعتقد أن التحرر يمكن أن يتحقق بطرق مختلفة، قد نعتقد أن شخصًا ما سيُنقذنا. قد يكون على هيئة قوى عليا، الله مثلاً ! ومن ثَمَّ نولد مُجددًا مؤمنين. بديلًا عن ذلك، قد نبحث عن مُعلم روحاني،  شريك، أو شخصًا آخرًا لينقذنا من ارتباكنا. في مثل تلك الأوضاع، من السهل جداً أن نصبح أعتماديين على هذا الشخص وأن نتصرف بطريقة غير ناضجة. نحن غالبًا ما نكون يائسين لإيجاد شخص ما لينقذنا ونكون عشوائيين عند اختيار الشخص الذي نلجأ إليه. قد نختار أحداً لم يتحرر هو نفسه من هذا الارتباك، وبسبب مشاعرها أو مشاعره ومواقفه الداخلية المزعجة، يستغل اعتمادنا الساذج عليه. هذه ليست طريقة مستقرة للتقدم في حياتنا. لا يمكننا التطَّلع إلى معلم روحاني أو علاقة ما لتبديد ارتباكنا، علينا أن نزيل ارتباكنا بأنفسنا.

إن إقامة علاقة مع معلم روحاني أو مع شريك ما يمكن أن تخلق ظروفاً مساعدة لتبديد ارتباكنا، ولكن هذا فقط عندما تكون تلك العلاقة صحية. عندما تكون العلاقة غير صحية فإنها فقط تجعل الأمور تزداد سوءاً وينتهي بنا الأمر إلى مزيد من الارتباك. في البداية يُمكن أن نكون في حالة إنكار عميق، اعتقاداً منا بأن المعلم أو الشريك شخص مثالي، ولكن في النهاية سيتبدد غُفلنا. عندما نبدأ برؤية نقاط ضعف الشخص الآخر وأنه لن ينقذنا من كل الارتباك الذي لدينا، ننهار. نشعر بالخيانة، وأن إيماننا وثقتنا تعرضوا للخيانة. هذا شعور في غاية الفظاعة! من المهم جداً أن نحاول تجنُب ذلك من البداية. نحن بحاجة لاتخاذ إجراءات وقائية. علينا أن نستوعب ماهو مُمكن وما هو غير مُمكن. ما يستطيع المعلم الروحاني القيام به وما لا يستطيع القيام به؟لذلك، نحن نتخذ إجراءات وقائية لنتجنب الانهيار.

نحن بحاجة لتنمية حالة ذهنية متحررة من الارتباك. الفهم هو نقيض للارتباك، وهو ما سيمنع ظهوره. تدربنا على الدارما من أجل أن نصبح مكترثين ومتنبهين لمواقفنا الداخلية، مشاعرنا المزعجة، دوافعنا، اندفاعنا، وسلوكنا القهري العصبي. بمعنى أن نكون على استعداد لرؤية الأشياء غير المُستحبة داخل أنفسنا، أشياء نُفضل إنكارها. عندما نلاحظ تلك الأشياء المُسببة لمشاكلنا أو أعراضها، علينا اللجوء إلى الطرق المضادة لنتغلب عليها. كل ذلك يعتمد على الدراسة والتأمل. علينا أن نتعلم كيف يمكننا تحديد المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة لدينا ومن أين تأتي.

التأمل

التأمل يعني أن نتدرب على تطبيق الطرق المضادة المتعددة في وضع يمكننا السيطرة عليه ومن ثمَّ نُصبح على دراية بكيفية تطبيق تلك الطرق في الحياة الفعلية. على سبيل المثال، إذا كنا نغضب عندما لا يتصرف الآخرون وفقاً لما نرغب به. خلال التأمل، نفكر في تلك المواقف ونحاول رؤيتها من وجهة نظر مغايرة. الشخص الآخر يتصرف بطريقة غير مستحبة لأسباب مختلفة. وليس بالضرورة عن حقد تجاهنا أو لأنه أو لإنها لا يحبنا. خلال التأمل، نحاول إذابة مثل تلك المواقف الداخلية: "صديقتي صديقي لم يعد يحبني لأنها أو لأنه لا يتصل بي".

إذا تمكنا من التدرب على تخطي مثل تلك الأنواع من المواقف من خلال حالة ذهنية أكثر استرخاءً،  تفهُمًا، وصبرًا، عندها سنشعر بأننا غير منزعجين إذا لم يتصل بنا الشخص الآخر طيلة أسبوع كامل. عندما نبدأ بالشعور بالضيق، يمكننا أن نتذكر أن هذا الشخص في الأغلب مشغولًا جداً وأنه من الأنانية أن نعتقد أننا أهم من أي شيء آخر في حياته أو في حياتها. هذا يساعدنا في تهدئة مشاعر الضيق لدينا.

التدرُب على الدارما عمل بدوام كامل

التدريبات البوذية ليست هواية.  ليست أمراً نفعله مثل التدريبات الرياضة أو للاسترخاء. التدريبات البوذية عمل بدوام كامل. مهمتنا هي العمل على مواقفنا الداخلية تجاه كل شيء في حياتنا. إذا كنا نعمل على تنمية الحب تجاه جميع الكائنات الواعية مثلاً، علينا تطبيق ذلك على أفراد عائلتنا. العديدون يلازمون غُرَفهم ليتأملوا على الحب ولكنهم غير قادرين على الاتفاق مع أهلهم أو مع شريك حياتهم. هذا أمر مؤسف.

تجنب التطرفات

في محاولتنا لتطبيق التعاليم البوذية على مواقف الحياة الواقعية في المنزل أو في العمل، علينا أن نتجنب التطرف. احد قطبي التطرف هو أن نضع اللوم كله على الآخرين، والتطرف الآخر هو إلقاءه بالكامل على أنفسنا. إن ما يجري في الحياة غاية في التعقيد. الطرفان يساهمان فيه: نحن نساهم فيه والآخرون كذلك. يُمكننا أن نحاول جعل الآخرين يغيرون من سلوكياتهم ومواقفهم الداخلية، ولكنني متأكد أننا جميعًا نعلم من خبراتنا الشخصية أن هذا ليس سهلًا على الإطلاق، خاصة إذا كان هذا نابعًا من إيماننا بصحة رأينا وقدسية الطريق الذي نسير عليه واتهامنا للآخرين بأنهم عصاة. لذا فمن الأسهل أن نعمل على تغيير أنفسنا. على الرغم من أننا يمكننا بالطبع أن نقدم اقتراحاتنا للآخرين طالما شعرنا بأنهم متقبلون لذلك وأن اقتراحاتنا لن تجعلهم أكثر عدوانية، لكن العمل الأكبر والأهم هو العمل على أنفسنا.

أثناء عملنا على أنفسنا، علينا أن نعير انتباهنا لثنائية أخرى من التطرف: الأول هو الانشغال التام بمشاعرنا، والآخر هو عدم الوعي بتلك المشاعر تمامًا.  الأول هو انشغال نرجسي حيث أننا لا نهتم إلا بما نشعر به فقط، ونميل لتجاهل ما يشعر به الآخرين. فنميل للاعتقاد بأن مشاعرنا هي الأكثر أهمية مما يشعر به الآخرين. من الجهة الأخرى، قد نكون منقطعين تماماً عن مشاعرنا أو لا نشعر بأي شيء على الإطلاق وكأن مشاعرنا مخدرة. لتجنب هاذين التطرفين الأمر يستلزم توازن دقيق. لكن هذا ليس سهلاً.

إن الطريقة الصحيحة هي بالتواصل والتصرف بشكل طبيعي ومخلص، بينما جزء من انتباهنا يكون مركزًا على دوافعنا ومواقفنا الداخلية. إن مراقبة أنفسنا باستمرار من شأنها أن تخلق نوعاً من الثنائية التخيلية – ذواتنا من جانب وما نشعر أو نقوم به من جانب أخر – لذا نحن غير متواصلين فعليًا أو في علاقة مع شخص آخر. إن الطريقة الصحيحة هي بالتواصل والتصرف بشكل طبيعي ومخلص، بينما جزء من انتباهنا يكون مركزًا على دوافعنا ومواقفنا الداخلية. غير أننا علينا محاولة القيام بذلك، دون التصرف بطريقة مشتتة والتي بها لا يكون ذهننا حاضرًا ومنتبهًا للشخص الآخر. يجب أيضًا أن أشير إلى أننا إذا كنا نتحقق من دوافعنا ومشاعرنا أثناء تواصلنا مع شخص ما، ففي بعض الأحيان قد يكون من المفيد مشاركة هذا معه، على الرغم من أن ذلك سيكون نرجسيًا للغاية أن نشعر أننا يجب أن نخبر ذلك الشخص. غالبا لا يهتم الآخرون بما نشعر به. هذا سيكون شعور مبالغ فيه بأهمية الذات بأن نعتقد أن الآخرين يرغبون في معرفة ما نشعر به. عندما نلاحظ أننا بدأنا في التصرف بشكل أناني، نحن نستطيع إيقاف ذلك، ولسنا بحاجة للإعلان عنه.

ثنائية تطرف أخرى، وهي أننا سيئين تمامًا أو جيدين تمامًا. إذا وضعنا الكثير من الأهمية لصعوباتنا، مشاكلنا، ومشاعرنا المزعجة، قد نبدأ بالشعور بأننا أشخاصًا سيئين. هذا يقوم بتوليد الشعور بالذنب بسهولة شديدة. "يجب عليَّ أن أتدرب، إذا لم أفعل فأنا شخص سيء". وهذا أساس عصبي جدًا للتدرُب.

كذلك، علينا تجنب الجانب الآخر لهذا التطرف والذي هو بالتشديد على جوانبنا الإيجابية. "نحن جميعاً أشخاص كاملون، نحن جميعًا بوذات. كل شيء رائع ". هذا خطير جداً لأنه من الممكن أن يفترض عدم حاجتنا إلى التخلي عن أي شيء، ولا إلى وضع حد لسلبياتنا لأن كل ما علينا فعله هو رؤية خصائصنا الأساسية الجيدة. "أنا شخص رائع، أنا شخص كامل، لست بحاجة إلى وضع حد لتصرفاتي السلبية. أنا بوذا بالفعل". نحن نحتاج إلى التوازن. إذا شعرنا بالإحباط من أنفسنا، نحن بحاجة لتذكير أنفسنا بقدرتنا على تخليص أنفسنا من قصورنا وأن نُصبح بوذات، وإذا شعرنا بالقليل من اللامبالاة، فنحن نحتاج إلى التأكيد على جوانبنا السيئة.

تحمل المسؤولية

بالأساس، نحن في حاجة لتحمل المسئولية بأنفسنا تجاه تطوير أنفسنا والتخلص من مشاكلنا. نحن بالطبع بحاجة إلى المساعدة فليس من السهل القيام بذلك بمفردنا. يمكننا الحصول على المساعدة من قبل المعلمين الروحانيين أو من مجتمعنا الروحاني أو من أشخاص يماثلوننا في التفكير ويعملون على أنفسهم بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين. لذا فمن الهام في علاقاتنا أن نتشارك نفس نوع الموقف الداخلي خاصة عدم لوم الطرف الآخر على أي مشكلة تظهر. إذا ألقى كل من الطرفين اللوم على الآخر، فلن تنجح علاقتهما على الإطلاق. كذلك، إذا كان أحد الطرفين يقوم بالعمل على تطوير ذاته في حين أن الطرف الآخر يشكو وينتقد، فهي كذلك لن تنجح. إذا كنا بالفعل في علاقة يقوم فيها الطرف الآخر بتوجيه الاتهامات، ولكننا ننظر إلى ما قد نساهم به في العلاقة فإن ذلك لا يعني أن علينا إنهاءها لكن يعني فقط أن الأمر صعب. علينا أن نحاول تجنب أن نكون الضحية في تلك العلاقة: "لقد تحملت الكثير ! هذا صعب للغاية!" إن الوضع بكامله يمكن أن يكون عصبي للغاية.

تلقي الإلهام

إن المسار البوذي ليس سهلاً. فهو يتعامل مع بشاعة الحياة. لذا، نحن بحاجة لنوع من قوة للاستمرار، نحن بحاجة إلى مصادر راسخ للإلهام. فإن كان مصدر إلهامنا، معلمين يروون قصصاً خيالية عن المعجزات، وهذا النوع من الأشياء – عن أنفسهم أو عن آخرين في التاريخ البوذي – فلن يكون هذا مصدراً راسخًا للإلهام. قد يكون الاستماع إلى تلك القصص مثيراً للاهتمام ولكن علينا أن نتفحص الكيفية التي تؤثر بها مثل تلك القصص علينا. للعديدين، تأتي تلك القصص لتدعم عالماً خياليًا، بحيث نأمل في الخلاص من خلال المعجزات. فنتصور ساحراً عظيماً يتمتع بقدرات إعجازية سيأتي لإنقاذنا أو أننا بشكل مُفاجئ نستطيع تنمية تلك المعجزات بأنفسنا. يجب علينا أن نكون حذرين جدًا فيما يتعلق بتلك القصص الخيالية، فهي قد تُلهمنا إيمانيًا، وهذا يمكن أن يكون مفيد، لكن هذا ليس أساسًا راسخًا للإلهام الذي نحن بحاجة إليه.

أفضل مثال على ذلك هو ما قام به بوذا. لم يكن بوذا يحاول أن "يُلهم" الناس ولا أن يثير إعجابهم من خلال إخبارهم قصصاً خيالية. فهو لم يكن يتباهى من خلال التنزه بين الناس ومباركتهم أو القيام بأشياء مماثلة. التشبيه الذي أستخدمه بوذا بشكل متكرر في التعاليم البوذية، إن بوذا كالشمس. الشمس لا تحاول تدفئة الناس. فالشمس، بطبيعة الحال، ووفقاً لطبيعتها الذاتية، تعطي الدفء بطريقة عفوية للجميع. إذا كان الاستماع إلى قصة خيالية أو نلمس برؤوسنا تمثال ما أو ربط خيط أحمر صغير حول عنقنا، يستطيع إدخالنا في سعادة كبيرة، فهذا ليس شيئًا راسخًا. إن المصدر الموثوق للإلهام هو الطريقة الطبيعية والعفوية للمُعلم كشخص – صفاته أو صفاتها – الطريقة التي هو أو هي عليها كنتيجة للتدرُب على التعاليم البوذية. هذا هو الإلهام، ليس ما يقوم به شخص ما لتسليتنا، على الرغم أن هذا قد لا يكون مثيرًا بقدر حكاية خيالية، لكن هذا ما سيعطينا حسًا مستقرًا بالإلهام.

من خلال تطورنا التدريجي، يمكننا أن نستمد الإلهام من أنفسنا ومن التطور الذي نحرزه ليس من اكتساب قوى إعجازية، وإنما في الطريقة التي تتغير بها صفاتنا ببطء. إن التعاليم دائمًا ما تُشدد على الابتهاج بأفعالنا الإيجابية. من الهام جداً أن نتذكر أن التطور لا يتبع أبداً خطاً مستقيماً. إن الأمور لا تتحسن باطراد من يوم إلى آخر. أحد خصائص الحياة أن حالاتنا المزاجية في حالة صعود وهبوط دائم إلى أن نتحرر بشكل نهائي من المشكلات المتكررة غير المتحكَّم بها، والتي هي حالة متقدمة للغاية. علينا أن نتوقع أن نكون تارة سعداء وأخرى تعساء. في بعض الأوقات سنستطيع التصرف بطرق إيجابية، وأوقات أخرى عاداتنا العصبية ستغلب علينا، سنكون في صعود وهبوط، المعجزات لا تحدث عادة.

إن التعاليم الخاصة بتجنب عدم الراحة المتعلقة بالانشغالات الدنيوية الثمانية تشدد على ألا نصبح فخورين عندما تجري الأمور بأفضل حال وألا نصبح محبطين عندما نمر بحالة سيئة. علينا أن ننظر إلى آثار تطورنا على المدى الطويل وليس على المدى القصير. على سبيل المثال، إذا بدأنا التدرُب منذ خمسة أعوام، فعند مقارنة أنفسنا بما قبل هذه الأعوام الخمسة سيكون هناك الكثير من التطور. حتى وإن كنا في بعض الأحيان نصبح متضايقين، إذا لاحظنا أننا يمكننا التعامل مع المواقف بذهن وقلب أكثر هدوءاً وأكثر وضوحاً، هذا دليل على أننا صنعنا تقدمًا. هذا مُلهم. إنه ليس إلهامًا كبيرًا، لربما كنا نأمل في أن يكون كذلك، وأن ننتشي من ذلك العرض الدرامي، ولكنه بالتأكيد إلهام راسخ.

فيديو: جوتسونما تينزين بالمو – "كيف تحصل على الإلهام وتمضي قِدمًا"
لتشغيل الترجمة، رجاءً أضغط على علامة "CC" أو "الترجمة والشرح" بالركن السفلي على يمين شاشة عرض الفيديو. لتغير لغة الترجمة،  يُرجى  الضغط على علامة "Settings" أو "إعدادات"، ثم أضغط على علامة "Subtitles" أو "ترجمة"، واختار لغتك المفضل

أن نكون عمليين

نحن بحاجة لأن نكون عمليين وواقعيين إلى حد كبير، على سبيل المثال، عندما نقوم بتدريبات إزالة آثار الأفعال السلبية من أذهاننا، فمن الهام عدم التفكير في أنها شيء خارجي، كما لو أن هناك قديس عظيم سوف يمحو خطايانا. في البوذية، لا يوجد قديسين سينقذوننا ويباركونا بالتنقية. هذا ليس الأمر على الإطلاق. ما يُزيل تلك الآثار في الحقيقة هو أن أذهاننا بطبيعتها نقية، وليست بشكل فطري ملوثة بالارتباك، الارتباك بالإمكان محوه عن طريق إدراك الطبيعة النقية للذهن من خلال مجهوداتنا في التخلص من الشعور بالذنب، الإمكانيات السلبية، وما شابه. هذا ما يُتيح لعملية الإزالة بالحدوث.

إضافة إلى ذلك، بالقيام بكل تلك التدريبات في محاولة لتطبيق التعاليم البوذية في حياتنا اليومية، نحتاج لأن ندرك ونعترف بالمستوى الذي نحن عليه، من الهام جدًا ألا نكون مُدعين، أو نشعر بأننا يجب أن نكون في مستوى أعلى مما نحن عليه بالفعل حاليًا.

الخلاصة

علينا العمل ببطء، خطوة تلو الأخرى. عندما نستمع أو نقرأ تعاليم متقدمة جداً، على الرغم من أن معلمين الماضي العظماء قالوا : "ما إن تستمعوا إلى أحد التعاليم، قوموا مباشرة بالتدرب عليها"، إلا أنه لا بد لنا أن نحدد إذا كانت هذه التعاليم متقدمة جداً بالنسبة لنا أو أنه بإمكاننا مباشرة التدرُب عليها. إذا كانت التعاليم متقدمة جدًا، علينا أن نتبين الخطوات التي سنحتاج لاتخاذها لإعداد أنفسنا حتى نستطيع التدرُب على تلك التعاليم، وعندها نتبع تلك الخطوات، باختصار، كما قال أحد أساتذتي، غيشي نغاوانغ دارغيي: "إذا قمنا بالتدرُب على أدوات خيالية، نحصل على نتائج خيالية، وإذا قمنا بالتدرُب على أدوات عملية، نحصل على نتائج عملية. "

Top