الجهد الصحيح، اليقظة الصحيحة، التركيز الصحيح

نظرة عامة

نحن ننظر هنا على التدريبات الثلاثة وكيف يمكن أن تساعدنا في حياتنا اليومية، من خلال التدرُّب على المسار الثُماني. التدريبات الثلاثة هم:

  • الالتزام الذاتي الأخلاقي.
  • التركيز.
  • الوعي التَميِيزي.

نحن نطبق التحدُّث الصحيح، السلوك الصحيح، والطريقة الصحيحة لكسب العيش؛ من أجل أن نُنمي الالتزام الذاتي الأخلاقي. الآن يُمكننا أن ننظر إلى التدرُب على التركيز، الذي يستلزم الجهد الصحيح، اليقظة الصحيحة، والتركيز الصحيح.

المجهود الصحيح- هو التخلص من مسارات الأفكار الهدامة وتنمية حالة ذهنية تساعد على التأمل

اليقظة الصحيحة-  مثل الغراء الذهني للتمسُك بالشيء وعدم تركه، لذا فهي تمنعنا من نسيان الأشياء:

  • عدم نسيان الطبيعة الحقيقية لجسدنا، مشاعرنا، ذهننا، والعوامل الذهنية حتى لا نتشتت بسببهم.
  • عدم فقدان تمسُكنا بالخطوط الإرشادية الأخلاقية، القواعد، أو العهود - إذا كنَّا قد أخذنا أيًا منها.
  • عدم التخلي عن أو فقدان الشيء محل التركيز. 

لذا إذا كنا نتأمل، فمن الواضح أننا بحاجة لليقظة حتى لا نفقد الشيء محل التركيز. إذا كنَّا نتناقش مع شخص ما، سنكون بحاجة للمحافظة على انتباهنا على هذا الشخص وما يقوله.

التركيز هو التثبيت الذهني على الشيء محل التركيز. عندما نستمع لشخص ما، هذا يعني أن تركيزنا مُثبَّت على ما يقوله، كيف يبدو، كيف يتصرف وما إلى ذلك. اليقظة تساعد في الحفاظ على التركيز، بأن تكون الغراء الذهني الذي يحافظ على وجودنا في هذا المكان المُحدد فلا نُصاب بحالة من البلادة أو التشتُت.

الجَهد

هذا هو العامل الأول بالمسار الثُماني الذي نستخدمه لمساعدتنا في تنمية التركيز. أن نبذل الجهد للتخلص من الأفكار المُشتِتة، الحالات الشعورية التي لن تؤدي للتركيز، كما نحاول تنمية الخصال الجيدة. بشكل عام إذا رغبنا في تحقيق أي شيء في حياتنا، علينا أن نبذل الجهد لذلك. الأشياء لا تنتُج من لاشيء على الإطلاق، ولم يدَعِ أحد أن الأمر سهلًا. لكن، إذا نمينا بعض القوة من العمل بالالتزام الذاتي الأخلاقي فيما له علاقة بكيفية التصرف، التحدث، والتعامل مع الآخرين، هذا سيعطينا القوة لأن نبذل الجهد في العمل على حالاتنا الذهنية والشعورية.

الجُهد الخاطئ

الجُهد الخاطئ هو توجيه طاقتنا لمسارات أفكار مؤذية وهدامة تعمل على تشتيتنا، وتجعل من الصعب بل من المستحيل علينا التركيز. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من طرق التفكير الهدامة وهي:

  • التفكير بجشع
  • التفكير بحقد
  • التفكير المشوه بالعداء

التفكير بجشع

التفكير بجشع. يستتبعه التفكير بغيرة لما حققه الآخرون أو الأشياء السارة أو المادية التي يتمتعون بها. أنت تفكر"كيف أستطيع أن أحصل على ذلك لنفسي؟" هذا ينشأ من التعلق. نحن لا نستطيع تحمُل أن شخص آخر لديه أشياء ليست لدينا، سواء كان ذلك نجاح، أو لديهم شريك في الحياة وسيم، سيارة جديدة، في الحقيقة قد يكون أي شيء. نحن دائمي التفكير في ذلك، وهذه حالة ذهنية غاية في الاضطراب. تمنعنا من التركيز تمامًا، أليس كذلك؟

الهوس بالسعي للكمال يقع في ذات التصنيف. نحن دائمًا ننظر للكيفية التي بها نستطيع التفوق على أنفسنا. إنها تكاد تكون غيرة من أنفسنا.

التفكير بحقد

التفكير بحقد عن الكيفية التي سوف اُئذي بها شخص ما، كما في حالة التفكير في"إذا قال هذا الشخص أو فعل شيء لا يعجبني، سأنتقم منه".  قد نفكر فيما سأفعله أو أقوله عندما أرى هذا الشخص في المرة القادمة، ونندم على عدم ردنا عليه عندما قال لنا شيئًا سيئًا. نحن لا نستطيع أن نُخرِج ذلك من أذهاننا، ونفكر في ذلك كثيرًا.

التفكير المُشوه بالعداء

التفكير المُشوه، المُعادي هو، على سبيل المثال، إذا كان هناك شخصًا ما يُجاهد من أجل تحسين نفسه أو مساعدة الآخرين، فنفكر في " إنه غبي – ما يقوم به شيء عديم الجدوى؛ إنه من الحماقة محاولة مساعدة الآخرين".

البعض لا يحبون الرياضة ويعتقدون أن الذين يحبون الرياضة ومشاهدة كرة القدم بالتلفاز أو يذهبون لتشجيع فريقهم أغبياء تمامًا. لا شيء ضار في حب الرياضة. التفكير بأن ذلك غباء أو مضيعة للوقت هي حالة ذهنية مُعادية للغاية.

أو شخص آخر يحاول مساعدة متسول بإعطائه بعض المال، وتفكر "آه، أنت فعلًا غبي لتقوم بذلك". إذا كنَّا نفكر بشكل متواصل في كيف أن كل شخص آخر غبي وأن أيًا ما يقومون به غير عقلاني، لن يكون بمقدورنا أبدًا التركيز. هذه أفكار نرغب في التخلص منها.

الجهد الصحيح

الجهد الصحيح هو توجيه طاقتنا بعيدًا عن مسارات الأفكار المؤذية والهدامة، وتوجيهها نحو تنمية خصال مفيدة. لذا، نحن نتحدث في سياق ما يُطلق عليه " المساعي الأربعة الصحيحة" في اللغة البالية، أما في الأدبيات السنسكريتية والتبتية، يُطلق عليهم "العوامل الأربعة لتحقيق التخلُّص الصحيح" - بعبارة أخرى، للتخلص من نقائصنا - ويطلق عليهم "التخليات الأربعة النقية":

  • أولًا، نضع جهودنا لمنع نشأة الخصال السلبية التي لم نقم بتنميتها بعد. على سبيل المثال، إذا كانت لدينا شخصية شديدة القابلية للإدمان، لربما نرغب في تجنب المشاركة في خدمة مشاهدة الأفلام مباشرة على الإنترنت، حيث تجد نفسك طوال اليوم تشاهد مسلسل ومن بعده مسلسل آخر. هذا قد يكون ضارًا ويقود لفقدان التركيز.
  • بعد ذلك، يجب نضع الجُهد لنخلص أنفسنا من الصفات السلبية التي لدينا بالفعل. إذا كنَّا بالفعل مدمنين لشيء ما، سيكون من الجيد محاولة تقليصها، على سبيل المثال، نحن نعرف جميعًا بعض الأشخاص المدمنين لمُشغل الموسيقى الخاص بهم، حتى أنهم لا يذهبون إلى أي مكان دون الاستماع إلى الموسيقى. الأمر وكأنهم خائفين من الصمت، خائفين من التفكير في أي شيء، لذا يستمعون إلى الموسيقى دائمًا. بالطبع، الاستماع لموسيقى صاخبة قد يكون مفيد لجعلك مستيقظًا عندما تقود لمسافة بعيدة، أو للحفاظ على سرعتك أثناء التمرينات، والموسيقى الناعمة قد تساعدك في تهدئة نفسك أثناء العمل، لكن الموسيقى بالتأكيد لن تساعدك على التركيز مع الشخص الذي تتحدث إليه. حتمًا، إنها مزعجة.
  • بعد ذلك، نحتاج لغرز صفات إيجابية جديدة.
  • بعد ذلك، نضع الجهد من أج تحسين الصفات الإيجابية الموجودة بالفعل والمحافظة عليها.

إنه أمر مثير للاهتمام عندما نتفحص ذلك ونحاول أن نجد تطبيقاته العملية. سأعطيكم مثالًا من خبرتي الشخصية كان لدي عادة سيئة للغاية فيما يتعلق بموقعي الإلكتروني. لدي حوالي ١١٠ شخص يعملون بالموقع، يُرسلون لي طوال الوقت رسائل بريد إلكتروني بها نُسخ ترجماتهم وملفاتهم المُنقحة. كل يوم يصلني الكثير الكثير. عادتي السيئة كانت قيامي بتحميل كل شيء في مجلد واحد بدلًا من أرشفتهم في المجلد الملائم حيث استطيع أن أجدهم أنا ومساعدي بعد ذلك. هذه كانت عادة سيئة للغاية؛ لأن عدم كفائتي منعتنا من التركيز على العمل على تلك الملفات من خلال كل هذا الوقت الضائع في محاولة إيجاد الملفات وتصنيفها. إذًا ما هي الصفة الإيجابية الواجب وجودها هنا؟ أن نضع نظام بأنه فور وصول المواد، توضع فورًا في المجلد الصحيح. بداية هذا يبني عادة وضع الأشياء في مكانها المناسب دائمًا، بدلًا من الكسل وفقط ترك الأشياء مبعثرة بكل مكان.

في هذا المثال، وجدنا الصفة السلبية، عادة غير مُنتجة تمامًا، وعادة أخرى إيجابية. نضع الجهد لتجنب الصفة السلبية، ونضع نظام ملائم للملفات لمنع تلك العادة من الاستمرار. هذا ما نتحدث عنه على مستوى غاية في البساطة من التدرب.

التغلب على مُعيقات التركيز الخمسة

الجهد الصحيح يشتمل أيضًا على محاولة العمل للتغلب على مُعيقات التركيز، وهم:

نوايا ملاحقة أيًا من الأنواع الخمسة للأشياء الحسية المرغوبة

هذا عندما نحاول التركيز على شيء ما، على سبيل المثال عملُنا، لكن تركيزنا يتشتت بالأفكار، مثل، "أنا أرغب في مشاهد فيلم" أو "أنا أرغب في الذهاب للثلاجة". لذا هنا نحن نتطلع للمتع الحسية أو الرغبات، مثل، الرغبة في تناول الطعام، الاستماع للموسيقى، وهكذا. لذا نحن بحاجة لوضع الجهد في عدم ملاحقة الأشياء عندما يظهر مثل ذلك الشعور، حتى نظل محتفظين بتركيزنا

أفكار الضغينة

هي التفكير في إيذاء شخص ما، إذا كنَّا دائمي التفكير بطريقة، "هذا الشخص آذاني. أنا لا أحبه. كيف أستطيع الانتقام منه؟" – هذه عقبة كبيرة أمام التركيز. نحن بحاجة لوضع الجهد في تجنب التفكير بأفكار بغيضة مؤذية ليس فقط تجاه الآخرين ولكن تجاه أنفسنا كذلك.

ضبابية الذهن والنُعَاس

عندما يكون ذهننا في ضباب، عندما نكون مشوشين ولا نستطيع التفكير بوضوح. النُعاس، من الواضح، أنه عندما تكون ناعِسين. علينا أن نحاول مقاومة ذلك. سواء قمنا بذلك بكوب من القهوة أو النهوض وفتح النافذة، نحن بحاجة لوضع الجهد كي ﻻ نستسلم له. لكن، إذا أصبح التركيز فعليًا صعبًا للغاية، نحتاج لوضع حدود. إذا كنت تعمل في المنزل"سأخذ قيلولة أو راحة لمدة عشرين دقيقة". إذا كنت تعمل في مكتبك "سآخذ راحة لمدة عشر دقائق" ضع حدًا ثم عُد مرة أخرى لعملك.

تقلب الذهن والندم

تقلب الذهن هو عندما يذهب ذهننا إلى شبكات التواصل الاجتماعي، أو مواقع الفيديو، أو لشيء آخر. الشعور بالندم هو عندما تنطلق أذهاننا إلى الشعور بالذنب " أنا بالفعل أشعور بسوء شديد أنني فعلت ذلك" تلك الأشياء مُشتِتة للغاية وحقًا تمنعنا من التركيز.

التذبذب غير الحاسم والشك

النوع الأخير الذي نحتاج لأن نضع الجهد للتغلب عليه هو التذبذب غير الحاسم والشك. "ماذا يجب عليّ أن أفعل؟ ماذا سأتناول على الغذاء؟ هل يجب أن أتناول ذلك؟ أم يجب أن أتناول ذلك؟" عدم القدرة على حسم أمرنا ويضيع كمًا هائلًا من الوقت. لا نستطيع التركيز أو إنجاز أي شيء؛ إذا كنَّا دائمًا ممتلئين بالشك والتردد، لذا نحتاج لأن نضع الجهد لحل ذلك.

باختصار، الجهد الصحيح هو أن نضع جهدنا في:

  • تجنب الطرق المُشتتة والهدامة في التفكير.
  • تخليص أنفسنا من العادات السيئة، والنقائص التي قد تكون لدينا.
  • تنمية الخصال الحسنة التي لدينا بالفعل، أو تلك التي تنقصنا.
  • تخليص أنفسنا من مُعيقات التركيز.

اليقظة

الجانب التالي من المسار الثُماني المُشتبك مع التركيز هو اليقظة الصحيحة:

  • اليقظة بالأساس هي الغِراء الذهني. عندما تُركز، ذهنك يتمسك بشيء ما. هذا التمسُّك، اليقظة، تمنعك من ترك هذا الشيء.
  • تلك اليقظة يصاحبها التنبه. والذي يستشعر  انتباهك إذا كان شاردًا، أو إذا أصبحت خاملًا أو ناعسًا.
  • بعد ذلك نستخدم العِنَايَة، وهي الكيفية التي نهتم بها بالشيء محل التركيز أو نضعه في اعتبارنا.

هنا نحن نولي الأهمية للكيفية التي نعتني بها بأجسادنا، مشاعرنا، أذهاننا، وعواملنا الذهنية المختلفة. نحن نرغب في تجنب التمسك وعدم ترك طريقة النظر غير الصحيحة لأجسادنا ومشاعرنا؛ لأننا عندما لا نتخلى عن تلك الطريقة الخاطئة فإنها تسبب لنا التشتُت ومن ثَم لا نستطيع التركيز. لذا هنا، لننظر إلى أشكال اليقظة الخاطئة والصحيحة بالتناوب.

بالنسبة لأجسادنا

عندما نتحدث عن الجسد، نتحدث بشكل عام عن الجسد ومختلف حواسه أو الجوانب الجسدية المختلفة الأخرى. الطريقة الخاطئة للنظر للجسد على أنه بطبيعته مصدر للمتعة، أو نظيف وجميل. نحن نقضي وقتًا طويلًا للغاية مشتتين أو قلقين على مظهرنا – شعرنا ومستحضرات التجميل، كيف نرتدي ملابسنا وخلافه. بالتأكيد من الجيد أن نكون نظيفين وحسني المظهر، لكن عندما نتطرف ونفكر في أن الطريقة التي يبدو عليها جسدنا مصدر للمتعة ويجب أن يكون رائعًا دائمًا، حتى يمكننا اجتذاب الآخرين، هذا يمنعنا من التركيز على شيء ذي مغزى أكبر.

إذا نظرنا للجسد بواقعية. إذا كنت جالسًا لفترة طويلة، تُصبح غير مستريح وتشعر بالحاجة للحركة. إذا كنت مستلقيًا، سيُصبح الوضع غير مريح، وبالمثل سيكون أي وضع آخر بعد فترة. نحن نمرض، والجسد يشيخ. من المهم أن نعتني بالجسد ونحرص على أن نكون بصحة جيدة، نقوم بتدريبات رياضية، نأكل بشكل جيد، لكن أن يصبح تركيزنا بالكامل مُنصَّب على ذلك – وأن هذا الجسد سيكون مصدرًا مستمرًا للمتعة – هذه مشكلة.

هذه هي اليقظة غير الصحيحة التي نرغب في التخلص منها. علينا ترك فكرة أن شعرنا هو أهم شيء على الإطلاق، أو أننا يجب دائمًا أن تكون ألواننا متناسقة، وأن هذا سيجلب لنا السعادة. نتوقف عن التمسك بذلك، ونزرع اليقظة الصحيحة، والتي هي "شعري وملابسي ليسا مصدرًا حقيقيًا للسعادة. إنه فقط سيتسبب في إضاعة وقتي ومنعي من التركيز على شيء ذي معنى".

بالنسبة لمشاعرنا

نحن هنا نتكلم عن مشاعر التعاسة أو السعادة، وهي تتعلق بالأساس بمصدر معاناتنا. عندما نكون تُعساء يكون لدينا ما يُسمى بـ "الظمأ"- نكون فيه ظمأى لإنهاء مصدر تعاستنا. بالمثل، عندما يكون هناك القليل من السعادة، نكون ظمأى حقًا للحصول على المزيد. هذا في الأساس هو مصدر المشاكل.

عندما نعتبر أن التعاسة هي أسوأ شيء في العالم، هذا يخلق مشاكل في التركيز. كيف؟ "أنا غير مرتاح بعض الشيء"، أو "أنا لست في مزاج جيد" أو "أنا لست سعيدًا" حسنًا، وماذا بعد؟ فقط استكمل ما كنت تقوم به. إذا كنت تعتقد حقًا أن المزاج السيئ هو أسوأ شيء في العالم وتمسكت بذلك، فسيكون هذا عقبة خطيرة للتركيز على أيٍ شيء تقوم به.

عندما نكون سعداء، لا يجب علينا أن نتشتت، بتمنينا لتلك السعادة أن تنمو وتستمر للأبد. هذا قد يحدث عندما نتأمل ونشعر أننا بحالة جيدة، ثم نُصبح مُشتتين بكم هذا رائع. أو عندما نكون مع شخص نحبه أو نأكل طعامًا لذيذًا، اليقظة الخاطئة هي التمسك بهذا الشعور"كم هذا رائع"، ونتشتت بذلك. أستمتع بها كما هي، ولا تُضَّخم الأمر.

بالنسبة لأذهاننا

سيكون من الصعب للغاية علينا أن نُركَّز إذا نظرنا لأذهاننا على أنها بطبيعتها مليئة بالغضب أوالأنانية أو الغباء أو الجهل، والتفكير في أن هناك شيء خطأ أو معيب فطريًا بأذهاننا. نحن غالبًا ما نفكر في أنفسنا على أننا لسنا جيدين بالشكل الكافي: "أنا لست بهذه الطريقة أو تلك، أنا لا شيء" أو "أنا لا أستطيع الفهم"، قبل حتى أن نحاول. إذا تمسكنا بتلك الفكرة فسيكون كل شيء ميؤوسًا منه تمامًا. بينما مع اليقظة الصحيحة، والتي بها نُفكر في "حسنًا، مؤقتًا قد أكون مرتبكًا، مؤقتًا قد أكون غير قادر على الفهم، لكن هذا لا يعني أن هذه هي طبيعة ذهني"، هذا يعطينا الثقة لاستخدام التركيز لتحقيق ذلك.

بالنسبة لعواملنا الذهنية

الرابع هو المُتعلق بعواملنا الذهنية، مثل الذكاء، الطيبة، الصبر، إلخ. اليقظة الخاطئة هي التفكير "هذا هو ما أنا عليه، وعلى الجميع تقبل ذلك. ليس هناك ما أستطيع القيام به لتغييره أو تنميته". اليقظة الصحيحة هي معرفة أن كل تلك العوامل ليست جامدة في مستوى بعينه، لكن يمكن تنميتها، في هذا السياق، يمكن استخدامهم لصقل التركيز.

التحكم في أنفسنا

من الغريب جدًا، أننا عندما نقوم بالتحليل ونرى الكيفية التي نتعامل بها مع أنفسنا ونحن بمزاج شديد السوء - عندما نشعر بالذنب - سنكتشف أننا مُتمسكين فقط بهذا المِزاج ومن ثَم نَعلَّق به. نحن نَتعلَّق بأخطائنا. حسنًا، نحن جميعًا بشر وجميعُنا يُخطئ. اليقظة الخاطئة هي بالتمسُك بذلك وعدم التخلي عنه، ونقوم فقط بتعنيف أنفسنا على كم نظن أننا سيئون. اليقظة الصحيحة هي أن نعرف أن المزاج يتغير، لأنه ينشأ من خلال أسباب وشروط، والتي هي في تَغيُر مستمر؛ لا شيء يظل على حاله للأبد.

أحد النصائح المفيدة والتي نجدها في التعاليم البوذية هي بالأساس "تحكَّم في نفسك". إنها تشبه عندما نستيقظ في الصباح، نستلقي على الفراش ولا نرغب حقًا في النهوض لأن هذا مريح للغاية وما زلنا نشعر بالنعاس. حسنًا، فقط نتحكم في أنفسنا وننهض، أليس كذلك؟ نحن نمتلك القدرة على القيام بذلك، وإلا فالكثير منَّا لن ينهضوا أبدًا في الصباح! إنه ذات الشيء عندما نكون في مزاج سيء أو نشعر بالإحباط. نتحكم في أنفسنا – "هيا، فقط قُمْ بذلك!" – لا نستسلم لهذا الشعور؛ فقط نفعل ما نحتاج لفعله.

جوانب أخرى لليقظة

بشكل عام، اليقظة في غاية الأهمية فعليًا. إنها تمنعنا من النسيان. حتى إذا كان هناك شيئًا نحن بحاجة للقيام به، اليقظة الصحيحة تساعدنا على التركيز عليه. فاليقظة الصحيحة لها علاقة بالتذكُّر، فلربما تتذكر أن برنامجك المفضل على التلفاز سيُذاع الليلة. لكن هذا تمسُّك بما هو ليس مهمًا، مما قد يجعلك تنسى ما هو أكثر أهمية.

إذا كنا نتبِّع تدريبًا معينًا، هناك يقظة صحيحة بالتمسك بالقيام بذلك. إذا كنَّا نقوم بتدريب ما، علينا التمسك بالتدرُّب يوميًا. أو إذا كنَّا نتبع حمية غذائية، علينا أن نحافظ على اليقظة الصحيحة لذلك حتى لا نأخذ قطعة الكعك تلك عندما تُقدم لنا.

اليقظة هي التمسك بما نقوم به وعدم التشتت بكل الأشياء غير الهامة المحيطة بنا.

المحافظة على اليقظة عندما نكون مع عائلاتنا

الكثير منَّا يجدون أنه من الأصعب المحافظة على اليقظة الأخلاقية مع عائلاتهم أكثر من المحافظة عليها وهم مع أصدقائهم أو أناس أغراب. إذا كانت هذه هي الحالة معنا، فالنصيحة العامة هي أن نستحضر النية بقوة في البداية. فإذا كنت على وشك مقابلة أقاربك، يمكنك استحضار النية "سأحاول المحافظة على هدوئي. سأحاول تذكُر كم كانوا طيبين معي. إنهم قريبون مني، والطريقة التي أعاملهم بها ستؤثر على مشاعرهم". هذا مهم جدًا في البداية.

علينا أيضًا أن نُذكِّر أنفسنا إنهم بشر. لا يجب علينا أن نقوم فقط بتعريفهم بأدوارهم كأم، أب، أخت، أخ – أو أيًا ما كانت العلاقة مع من أنت معهم. لأننا إذا تمسكنا بهم من خلال هذا التعريف فقط، فعندها سنميل للتصرف مع ذلك وفقًا لإسقاطات معينة لما هي الأم، الأب، وكل التاريخ والتوقعات والإحباطات التي كانت لدينا معهم. من الأفضل التواصل معهم كإنسان يتواصل مع إنسان آخر. إذا كانوا غير يقظين لذلك وما يزالوا يتعاملون معنا كأطفال، عندها لا نستسلم لنمط التصرف كأطفال بالفعل. نتذكر أنهم بشر، ولا نتورط بالوقوع في فخ لعب نفس اللعبة، فبعد كل شيء الرقصة تتطلب طرفين.

أختي الكبيرة زارتني لمدة أسبوع مؤخرًا. هي تذهب للنوم ليلًا مبكرًا إلى حد ما، ثم قالت لي كما لو كانت أمي " أذهب للنوم الآن"، لكن إذا استجبت لها مثل طفل وقلت "لا، الوقت لا يزال مبكرًا. أنا لا أرغب في النوم. أريد أن أبقى مستيقظًا. لماذا تقولين لي أن أذهب لأنام؟" عندها فأنا ألعب معها ذات اللعبة، وكل منا سينزعج. لذا كان عليَّ أن أذكر نفسي بأنها تعطيني هذه النصيحة لاهتمامها بي، وليس لأنها ترغب في إغضابي. إنها تعتقد أنه من الجيد لي أن أنام مُبكرًا. لذا علينا أن نحاول أن يكون لدينا رؤية أكثر واقعية لما يحدث، بدلًا من مجرد إسقاط تصوراتنا.

لذا قبل أن نقابل عائلاتنا، يُمكننا أن نظل يقظين لدافعنا، بمعنى:

  • هدفنا: الهدف هو أن يكون هناك تفاعل لطيف مع عائلتي. الذين اهتم بهم، ويهتمون بي.
  • الشعور المُصاحب: العناية بعائلتنا، كبشر.

طريقة أخرى للنظر للأمر، بدلًا من التفكير في الأمر على أنه مصيبة مروعة، أن نراه كتحدي وفرصة للنمو: "هل استطيع خوض العشاء مع عائلتي دون أن أفقد أعصابي؟"

إذا بدأت عائلتك في مناكدتك، كما يفعل الوالدين، "لماذا لا تتزوج؟ لماذا لا تحصل على عمل أفضل؟ لماذا ليس لديك أطفال بالفعل؟" (أول شيء مثل ما قالته لي أختي عندما رأتني "أنت بحاجة لأن تقص شعرك") عندها نُدرك أنهم يسألون عن ذلك لإنهم قلقون علينا، ويمكننا أن نقول فقط، "شكرًا على اهتمامكم".

علينا أيضًا أن نفكر في الخلفية التي أتوا منها، حيث العديد من أصدقائهم يسألون "حسنًا، ماذا يفعل أبنك؟ ماذا تفعل ابنتك؟" وعليهم أن يتفاعلوا اجتماعيًا مع أصدقائهم. هم لا يسألون لماذا لم تتزوج حتى الآن بوازع خبيث، لكن لأنهم معنيون بسعادتك. الخطوة الأولى هي الاعتراف بذلك، وتقدير اهتمامهم. وإذا أردت يمكنك أن تُفسر لهم بهدوء لماذا لم تتزوج حتى الآن.

باليقظة، نحن عادة ما نتمسك بشيء غير مُثمر على الإطلاق. قد يكون تاريخ عتيق، مثل "لماذا فعلت ذلك منذ عشرة سنوات مضت؟" أو "لقد قلت لي ذلك منذ ثلاثين عامًا مضت"، نحن نتمسك بذلك، ولا نعطي أي شخص فرصة، وهذا يمنعنا من التركيز على الطريقة التي هم عليها الآن. نحن نتمسك بأفكارنا المُسبقة "هذا سيكون مروعًا. والديّ قادمان" نحن بالفعل قررنا أن الأمر سيكون فظيعًا، هذا يجعلنا بالفعل في غاية التوتر من قبل أن نقابلهم! لذا نقوم بتحويل ذلك إلى اليقظة الصحيحة، التفكير في الأمر على أنه فرصة لرؤية كيف أصبحوا، فرصة للاستجابة للمواقف كما ستحدث، دون أي أفكار مُسبقة.

نصيحة عملية للحفاظ على اليقظة

كيف يمكننا المحافظة على اليقظة في المواقف الصعبة؟ نحن نحتاج لتنمية ما يلي:

  • النية - النية القوية على محاولة التذكر.
  • التعود – القيام بنفس العملية مرة تلو الأخرى حتى يمكننا تذكُرها تلقائيًا.
  • التنبه – نظام الإنذار الذي يقوم بالكشف عن فقداننا ليقظتنا.

كل هذا قائم على الموقف الداخلي الخاص بالاهتمام، حيث الاهتمام بالطريقة التي تتصرف بها وأثر سلوكك على الآخرين وعليك. إذا كنت حقًا لا تهتم بالطريقة التي تتصرف بها، هذا لن يحافظ على يقظتك لأنه لن يكون هناك أي نوع من الالتزام. لماذا نهتم؟ لأنك إنسان. والدتك ووالدك بشر. جميعنا نرغب في أن نكون سعداء، لا أحد يرغب في أن يكون تعيسًا. الطريقة التي تتصرف وتتحدث بها نحو الآخرين تؤثر على مشاعرهم، لذا يجب علينا الاهتمام بطريقة تصرُفنا.

نحن بحاجة لتفحُص أنفسنا ودافعنا. إذا كنَّا نريد فقط أن نكون جيدين حتى يُحبُنا الآخرون، هذا شيء طفولي إلى حد ما. شي سخيف قليلًا. السبب الأفضل لأن تكون يقِظ وأن تحافظ على يقظتك هو أننا نهتم بالآخرين، اعتمادًا على الموقف الداخلي الخاص بالاهتمام.

التركيز

الجانب الثالث من المسار الثُماني الذي نقوم بتطبيقه في التدَّرب على التركيز يُطلق عليه التركيز الصحيح (أي التركيز ذاته). التركيز هو التثبيت الذهني الفعلي على شيء ما. بمجرد تمسكنا بأي شيء كان للتركيز عليه، تُبقينا اليقظة متمسكين به فلا نفقده. لكن أولًا علينا أن نتمسك بالشيء وهذا هو كل ما يدور حوله التركيز.

نحن نستخدم الانتباه لجلب التركيز على شيء ما. ما يحدث هذه الأيام أكثر بكثير من الماضي، هو أن انتباهنا مُقسَّم، لذا فنحن غير منتبهين لأي شيء بالكامل. عندما نتابع الأخبار على التلفاز لدينا شخص في منتصف شاشة التلفاز ينقل أخبار اليوم، لكن بالأسفل هناك شريط به أخبار أخرى مختلفة، ثم لربما في ركن الشاشة هناك شيء آخر، لا يمكننا الانتباه أو التركيز بالكامل على أيٍ منهم. حتى إذا اعتقدنا أننا متعددي المهام، لا أحد قادر على–إلا إذا كنت بوذا–أن يضع تركيزه ١٠٠٪ على كل تلك الأشياء المتعددة التي نقوم بها في نفس الوقت.

في بعض الأوقات عندما يتحدث إلينا شخص ما، يكون تثبيتنا الذهني على هاتفنا الجوال. هذا تثبيت ذهني خاطئ لأنه يتحدث إلينا ونحن غير منتبهين. حتى إن كان لدينا تثبيت ذهني على شيء ما، فمن الصعب جدًا المحافظة عليه. نحن الآن معتادون على تَغَيُّر الأشياء من حولنا سريعًا وأن ننظر لشيء ثم لآخر ثم آخر، لذا نصاب بالممل سريعًا. أن نمتلك مثل هذا النوع من التركيز - فقط لبضع لحظات على هذا وبضع لحظات أخرى على ذاك – هذا يعتبر عائق. هذا تركيز خاطئ. حتى نكون قادرين على التركيز بشكل ملائم يعني أن نكون قادرين على التركيز طالما كان هذا لازمًا، دون أن نُصاب بالملل وننتقل لشيء آخر لأننا لم نعد مهتمين.

أحد العقبات الرئيسية أننا نرغب في أن يتم تسليتنا. هذا يعود لليقظة الخاطئة، التفكير في أن المتعة المؤقتة ستكون مُرضية لنا، بدلًا من ذلك يتم خلق المزيد من الظمأ. وجد علماء الاجتماع أنه كلما كان هناك فرصًا أكثر لأشياء نقوم بها، نتطلع إليها–شبكة المعلومات تقدم لنا كمًا غير محدودٍ من تلك الفرص–كلما كنَّا أكثر مللًا، وأكثر قلقًا وتوترًا. عندما نبحث عن شيء ما، نُفكر في أنه لربما هناك شيئًا آخر أكثر تسلية ونخاف أن نُضَيعه. بهذه الطريقة نظل نبحث ونبحث ولا نحتفظ بتركيزنا على أي شيء. على الرغم من أنه شيء يصعُب القيام به، إلا أنه من المفيد جدًا محاولة تبسيط حياتنا، حتى لا يكون هناك الكثير من الأشياء التي تحدث في ذات الوقت. بينما ينمو تركيزنا، سيكون بمقدورنا زيادة نطاق ما نستطيع التعامل معه.

إذا كان لديك تركيز جيد، عندها يمكنك أن تركز على هذا، ثم تركز على ذاك؛ لكن شيء واحد في كل مرة دون أن تتشتت. مثل الطبيب، الذي يحتاج أن يتعامل مع مريض واحد في كل مرة، وأن يكون تركيزه بالكامل معه، لا يفكر في المريض التالي أو المريض السابق. على الرغم من أن الطبيب يستطيع رؤية العديد من المرضى خلال اليوم، إلا أنه يُركز بالكامل على مريض واحد في كل مرة. هذا أفضل بكثير للتركيز.

لكن، هذا أمر يُمثِل تحدي شديد الصعوبة. حتى بالنسبة لي، فأنا أتعامل مع كمٍ ضخمٍ جدًا من المهام المختلفة المتعلقة بإدارة موقعي الإلكتروني، والعديد من اللغات وما إلى ذلك. من الصعب جدًا الاحتفاظ بالتركيز على شيء واحد. هناك العديد من الأشياء التي تأتي في نفس الوقت. أي شخص يعمل في عمل معقد يواجه ذات التحدي. لكن، التركيز يمكن تنميته على مراحل.

الخلاصة

 تخليص أنفسنا من مُعيقات التركيز مسألة واسعة النطاق إلى حد كبير. أداة بسيطة للقيام بذلك بأن نُغلق الهاتف الجوال أثناء العمل، أو نُقرر أننا سنطَّلِع على بريدنا في أوقات محددة في اليوم. حتى نستطيع التركيز على ما نحتاج القيام به. إنه مثل الدكتور أو أستاذ الجامعة الذي لديه ساعات عمل محددة؛ أنت لا يمكنك الذهاب إليه في أي وقت، هناك ساعات بعينها يكونون متاحين بها. لذا وبشكل مُماثل علينا تطبيق ذلك على أنفسنا. فهذا سيساعدنا على تنمية التركيز.

من المثير للاهتمام النظر إلى النمو الاجتماعي. في الأوقات السابقة، كانت المُعيقات الأساسية للتواصل هي حالتنا الذهنية – الشرود الذهني، أحلام اليقظة، وهذا النوع من الأشياء. لكن الآن هناك مُعيقات أكثر من ذلك بكثير تأتي من مصادر خارجية مثل الهواتف المحمولة، وشبكات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني. في الحقيقة هذا يحتاج لقدرٍ كبيرٍ من الجهد حتى لا تُغرقنا كل تلك الأشياء، ومن أجل أن نقوم بذلك، نحتاج أن نُدرك الخصائص الضارة لتلك الوسائط. أكثر تلك العوامل وضوحًا والتي اختبرها العديدون أن مدى أنتباهنا يتضاءل ويتضاءل مع الوقت. موقع "تويتر" به عدد محدود من الحروف للرسائل، التصفح المستمر لتحديثات موقع "الفيس بوك"، كل شيء يجري بسرعة مما يبني عادة بالغة السوء تعمل على تدمير التركيز؛ لأنك لا تحتفظ بانتباهك على أي شيء، فكل شيء دائم التغيُّر. لذا فهذا شيء يجب الحذر منه.

Top